لقد ارتفعت أصوات التشاؤم مطلع القرن 19 عقب انهزام نابليون في معركة واترلو، هذا التشاؤم قد طال كل فئات المجتمع الأوروبي من شعراء كجوته، موسقيين كشوبان وبيتهوفن... ولكن من بين هؤلاء كان الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور الأكثر انغماساً في روح التشاؤم وهو ما تجلى في فكره.
يعتبر شوبنهاور من الفلاسفة الذين أزاحوا العقل من مركزيته وقد سلك في ذلك نفس نهج الحركة الرومانسية التي جعلت من المشاعر بديلة للعقل إلا أن شوبنهاور كان له توجه آخر في هذه النقطة فقد جعل من إرادة الحياة أساساً لفلسفته أو كما تعرف بالغريزة وهي تعتبر قوة لاواعية توجه الإنسان نحو غايتها وما العقل إلا خادم ومنفذ لأوامر هذه الإرادة العمياء التي تشق طريقها دائمًا لتبحث عن حلول وطرق لتضمن البقاء لنوع معين من الكائنات.
وقد اعتبر شوبنهاور التناسل هو الغرض النهائي لكل كائن عضوي، وهو أقوى الغرائز، كما يعد الوسيلة الوحيدة التي تمكن الإرادة من قهر الموت. ولكي تضمن هذه إرادة الحياة استمرار التناسل تعمدت أن تجعل الغرائز الحيوانية بعيدة عن رقابة العقل. لأنه لو كان للإنسان أن يتحكم في غرائزه ويضبطها بشكل عقلاني لكان هذا أكبر تهديد للنوع البشري إن لم نقل أنه سيؤدي إلى انقراضه بشكل تام.
أما عن سبب تشاؤم شوبنهاور فهو يعود إلى اكتشافه لمعنى جديد للجبرية التي لا مفر منها وتتمثل في إرادة الحياة التي تقذف بالإنسان نحو أقدار لا يختارها هو والمعضلة أنه يظن بأن له حرية الاختيار كونه مميزاً بملكة العقل، لكن حسب شوبنهار فالإنسان لا يفعل إلا ما تريده غريزته أي إرادة الحياة.
وقد حصر شوبنهاور حياة الإنسان بين ثنائية الألم والملل فقد كان يرى أن الحياة شر لأنه لا يكاد الإنسان يشعر براحة من الألم والحاجة حتى يتملكه شعور بالسآمة والملل مما يدفعه إلى البحث عن شيء يعوضه شعوره بالملل والسآمة، ليبدأ بذلك في مواجهة المزيد من الألم وقد قال شوبنهاور في هذا السياق أن «الحياة بندول يتأرجح بين الألم والملل».
ولكن رغم هذا الفكر التشاؤمي كان شوبنهاور يرى الانتحار للتخلص من سجن الحياة وإرادتها هو عبث وسخافة لأن الإرادة لا تموت مع موت شخص واحد بل هي مستمرة وخير دليل على ذلك آلاف المواليد الذين يغذون إرادة الحياة يومياً ولذلك كان يرى شوبنهاور أفضل الحلول هو أن يتحلى الإنسان بنوع من الزهد في الحياة ويبحث عن المعرفة والعلم ليتمكن من تخفيف حدة إرادة الحياة الكامنة داخله، فالإنسان حسبه تغلب عليه الإرادة أكثر من المعرفة أما العبقري فتغلب عليه المعرفة وتقل الإرادة.
** **
- دخيل الشمراني