استكمالاً لمقالاتٍ سابقة بدأتها:
- لا تدع اليوم يفلت من يديك
- ثقافة الخوف ونظرة تفاؤلية
- ثقافة الخوف استجرار حكاية السعلي
وكان آخر نقطة توقّفتُ عندها هو هذا السؤال المهم هنا: كيف نزرع في أطفالنا مثل هذا التراث؟
لكن قبل ذلك دعوني أكمل الحكاية الثانية:
- الخوف يواجه السعلي
من كثرة ما تغللت حكاية السعلي في نفسي وأصبحت وجهتي لأهم أحلامي، وهو أن أقابل الخوف، وأواجهه أجعل حكايا الأمهات غيباً، واقعاً مشاهداً عياناً بياناً أنا وهو كتوأمين، لم أكن خائفاً؟ بلى كنت مرعوباً المهم سأحكي القصة وكأنني أشاهد الأحداث الآن:
(في عصريّة «الله لا يعيدها» في قريتنا، وهناك في شمالها تقبع، بيوت قديمة تُروى حولها الأساطير قررتُ فجأة أن أواجه هذا السعلي أم أُمّه السعليّة، أخذت معي قرآناً بحجم كفّي أو أكبر، وضعته في جيلبي، ثم مررتُ بداية من تحت بيت جارنا، ومزرعة صغيرة للعنب « الحَبَلَة « مقرطسة، خوف أن يأكلها الطير لكن ألتهمتها قبله، الساعة لم يبقَ على غروب الشمس الكثير، على حسب عُرْفي وقتها، ومعرفتي أول ما شاهدتُ الباب الخشبي الذي كانت أمي « يرحمها الله « تسرده لي، في حكاياتها، تلمّسته بيدي، كما يقولون قديما «هذا شُغْل عبد الله وفالح»وهو التوقيع لهذين الأخوين نقشاً، بأسمائهما على أغلب البيوت، في تلك الفترة، تشجّعتُ قليلا،وبالكاد أبلع ريقي، المكان سكنهُ الجنون لا حياة فيه، البيت هذا، مكون من طابقين، مبني من حجر وطين طبعا، في الأرضي ساحة كبيرة وفيها غُرَف مقسّمة، فيها للحلال « الغنم، البقر « - أعزكم الله - وأشياء أخرى، صعدتُ للطابق الثاني، بسلّمٍ من حجر، وصلت لغرفة النوم الخشبيّة « العُلّية « كل ما حكته أمي لي تفحّصتُه، حتى تلك الحقيبة المصنوعة من الحديد « السحّارة» وكأنه بيتي، كل شيء الآن طبيعي، والخوف تبدّل شجاعة وإقداما، وضعت قدمي إلى النزول، وفي منتصف الدرج بالضبط، سمعتُ صوتا يقول:
مَنْ هُناك؟ «منه أنت يا بقعاء» لم أُعِرْه انتباها في البداية، قلت ربما، هو حديث الخوف بداخلي
وصلت بالسلامة إلى الساحة الكبيرة من الدور الأول، فتحت غرفة منه تسمّى «السِفِلْ» صوت ذاك الباب يالله موسيقى، كأنه سيمفونية بيتهوفن، وأنا خارج منها، قُفل بسرعة غير طبيعية، قلت ربما رياحا ساعدت على ذلك!
وفور خروجي من البيت القديم، التفتُ نظرة مودِع بما إني سالما من كل سعلي، فإذا بعجوز شَعْرُها الأبيض تمشّطه بمشطٍ خشبي كبير جدا أنا هنا في حيص بيص، صادتني حُمّى تهامة، وأمّ الرُكب فجأة،رجلاّي مسلسلتان تماما، بالكاد سمعتُ العجوز تقول:
تعال يا ولد فلانة تعال تعال، انطلقتُ كثعلبٍ فرّ من صيادٍ ماهر، والظلام اقترب، وحين شارفتُ من بيتنا أسرّيتُ ابتسامة فرحٍ بداخلي، فجأة توقّفتُ،توقف الضرب في قفاي، مشيت أشعر بالضربة، أسرعتُ زادت الضربات، توقفتُ، توقفتْ!
صحوت وأنا، بين أحضان أمي، وقطعة قِماش «منشفة «على رأسي، وأمي تسرد لي، حكاية السعلي في تلك الليلة حلمتُ بتلك العجوز تقول لي: والله يا ولد فلانة لوما القرآن في جيبك، لمسختك قردا) هذه الحكاية كتبتها بطريقة ما في تأليف مجموعة قصصية بعنوان (السعلي) ليوارثها الأجيال حسنها حسن وقبيحها حسن!
إن أسطورة السعلي وغيرها رغم تولدها الهُلامي في نفوس تلك الفترة، بشكل ملاحظ ومشاهد إلا أنها صنعت جيلاً من المبدعين، وأصبحت تراثا شعبيا لا ينفكّ عن طفولة متوائمة مع الشجاعة رغم أن الأمر فيه تخويف وهكذا..
المسألة المهمة هنا كيف نوظفه الآن مع أمهاتٍ لم يعرفن السعلي، وتلك الأساطير، مع وجود العالم الرقمي بين يدي الأطفال الآن؟ وهذا يحتاج لمقال خامسٍ حول هذه السلسلة ثقافة الخوف.
سطر وفاصلة
هناك الحاسد، والحاقد، والناقم، واللاطم ولا يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب، لكل من ابتلينا بهم سأكتب ناصحا:
صبّ عليهم نار حرفك، حتى يشتعلوا غيظاً، في صدورهم، ثم قطّر ماء سطرك، لتنطفئ لهيب حقدهم، وامض عين الله ترعاك، واكتب ...!
** **
- علي الزهراني (السعلي)