عرفت الصديق العزيز محمد علي علوان قاصاً، وبدأت علاقتي به، قبل أن نلتقي، وكان ذلك يوم قرأتُ له مجموعته ذائعة الحضور الإبداعي «الخبز والصمت»، وبتقديم الكاتب الكبير يحيى حقي. عرفته في فترة كانت مختلفة بأحلامها العريضة، ومختلفة في شعاراتها، ومختلفة في وضع المملكة العربية السعودية وقتذاك، ومختلفة بشبابها الخليجي المتطلع لأخذ مكانه ومكانته على ساحة الإبداع والثقافة العربية، ومختلفة من جهة تقديم قصة قصيرة سعودية بنكهة بيئتها المحلية، وببعدها الإنساني الشاسع!
محمد علي علوان، كان ضمن كوكبة من كتّاب منطقة الخليج الذين وقع عليهم عبء وشرف الانتقال بفن القصة القصيرة «الخليجية» من محيطها الخليجي إلى سماءات بطول وعرض وطننا العربي!
علوان ومعه عبدالحميد أحمد من الإمارات، ووليد الرجيب وطالب الرفاعي من الكويت، وأمين صالح وعبدالله خليفة من البحرين وغيرهم، جاؤوا في فترة كانت الساحة الثقافية العربية تتغنى بالقصة القصيرة، وتعج بأعمال مبدعيها المؤسسين وعلى رأسهم: يوسف إدريس في مصر، ومحمد خضير في العراق، وزكريا تامر في سوريا، وأحمد بوزفور في المغرب، وحينها كان يُنظر إلى منطقة الخليج وكتّابها بوصفهم «أطرافاً» قياساً بالمراكز المتمثلة في بغداد والقاهر وبيروت. ولذا كان لافتاً أن يقدّم الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور عام 1971 رواية من الكويت عنوانها «كانت السماء زرقاء» لكاتب شاب كويتي اسمه إسماعيل فهد إسماعيل، ويقول عنها بأنها الرواية العربية المعاصرة. وكذا كان تقديم يحيى حقي لقصص علوان السعودي، وهذا بحد ذاته يُعتبر منعطفاً تاريخاً يستوجب التوقف عنده، حين يستطيع كاتب خليجي كسر طوق المحلية، وتشير قصصه إليه بوصفه قامة عربية، لا تقل بإبداعها عن أي كاتب عربي آخر.
محمد علي علوان، المتبخّر دوماً بهدوء طبعه ودماثة خلقة، وحتى نبرة صوته، وضمن قلة قليلة، من كتّاب القصة القصيرة العرب، ظل مخلصاً لفن القصة، حتى لو مع روايته «طائر العِشا». وبالرغم من قلة إصداراته، إلا أن الراصد بعين ناقدة لنتاج محمد يرى بوضوح تاريخاً توثيقياً للحال الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي في المملكة. وبالرغم من اشتغال علوان بمنصب حكومي، ولسنوات طويلة، إلا أن إخلاصه وولاءه ظل أبداً للقضايا الإنسانية الصغيرة والمؤلمة، وظل دوماً ملمحاً حاضراً ومهماً في كل ما كتب ويكتب.
عزيزي، أبا غسان، وأنا أكتب هذه الكلمات القليلة في حقك، إنما أجدني أكتب عن نفسي، وأكتب عن عوالمي، وأكتب عن أحلامي، وتطفح بي المشاعر، وأنا أتذكّر أحلام تلك الفترة المحتدمة بكل عروبي على مستوى الحرف والكلمة والشعار والحلم، وكيف أجهضت تلك الأحلام، وتبعثرت على جادة طريق العمر. حتى أن حلم الوطن العربي الكبير، تقزّم حتى غدا وجود عراق متماسك بأرضه ووحدته الوطنية، ووجود سوريا العرب، وكذا اقتتال الأخوة في اليمن.. أخي الحبيب محمد، لا داعي لأن أنبش أحزان قلبك وقلبي، وتكفيني سعادتي باحتفاءٍ يليق بك قامة إنسانية سعودية عربية مبدعة!
فلك مني شوقي للقائي بك، ولك مني تحية تقدير على إخلاصك للكتابة القصصية ولقلبك النابض بالحس الإنساني!.
** **
- د. طالب الرفاعي