حين يكون القاص ممتلئاً بجمال بيئته التي عاش بها طفلاً وترعرع شاباً حتماً سيترسخ ذلك البهاء في ذاكرته كوشم أبيض أينما ارتحل وغاب عن دياره، وتجلى ذلك في السرد القصصي لدى القاص الأستاذ محمد علوان في مجموعاته القصصية الخبز والصمت ودامسة وغيرهما إذ يمكن تذوق طعم خبزة الحنطة والشعير وشم عبق الكادي والريحان وملامسة أرواح ساكنيها الطيبين والتجول مع القاص في مسارب وطرقات القرية وتهجي أسرار أبوابها ونوافذها وأحجارها والتعاطف مع المهمشين.
محمد علوان يحمل كاميرا إبداعية نشاهد من خلال التقاطاته الأنيقة والعميقة القرى الجنوبية بناسها ومبانيها الحجرية وأشجارها الخضراء وعصافيرها الملونة ومياهها الشفيفة وجرنها المليئة بمحصول الحنطة، ونتألم لأحزان المكلومين ونحزن للمرضى ونبتهج بالسعادة وهي تحلق كالفراشات في حقول القرية، والحزن يقطر حين تقرأ نصاً عن تلك المرأة التي انتظرت طوال عمرها ابنتها التي فقدتها ودفن جثمانها في قمة الجبل لتسأل الطيور عن أخبارها لتكون المأساة الكبرى أن سحق البلدوزر الجبال لتلتصق الصورة في ذاكرتها لم تمحها الأيام، أما خضراء التي سكن عشقها سويداء قلبه لتنتهي بدهشة ومفارقة القص الجميل ويستمر علوان متفرداً في أسلوبه إذ يمزج الرؤية الفلسفية مع العادات والتقاليد والأساطير القروية، وقصة طائر العشا مدهشة في وقائعها مثيرة في مضامينها وجاء المساء بروح عزيزة كانت الجدة تنظرونها مما استقبلوا الخفاش بحفاوة ليحظى بالحناء في مخالبه والكحل في عينيه والترحيب به كضيف تشوقوا لرؤيته.
** **
- جمعان الكرت