عمل الدكتور مدحت شيخ الأرض في ظل المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ملجأه وثراه - زهاء ستة وعشرين عاماً، كما خدم الدولة السعودية أعواماً مديدة، قضاها مع الملك سعود، والملك فيصل، والملك خالد - رحمهم الله رحمة الخيرين الأبرار، وقد سطر في تاريخ الدولة السعودية أسمى صور الوفاء والولاء للمؤسس وبنيه. هو طبيب وسياسي ودبلوماسي سعودي، وهو يعود في أصوله إلى القطر السوري، وهو آخر طبيب للملك عبدالعزيز آل سعود - غفر الله له -.
ولد مدحت شيخ الأرض على أرض دمشق العامرة، وكان ذلك في سنة 1318هـ - 1900م، وكان تخرجه من معهد الطب العربي في دمشق سنة 1924م، ثم اشترك في معارك الفوطة كطبيب وحكم عليه بالإعدام، وهنا التجأ ولاذ ببسالة المؤسس وكرمه وإنسانيته وتذكر كتب التاريخ المعنية بأحداثه أن دمشق وغوطتها شهدت أكبر مواجهة حربية بين الدمشقيين ومن التحق بالثورة ولازمها من غير أبناء دمشق، وقد مارس الفرنسيون سياسة القمع والإبادة في أثناء سعيهم لوأد هذه الثورة، ولا سيما في دمشق وغوطتها وجبل العرب، ومن هنا كانت نقطة انسحاب الثائرين إلى الجنوب، حيث شرق الأردن العامرة، ونزولا في بلدة الأزرق، وقد خافهم الإنجليز فتوجهت قوات بريطانية لطرد هؤلاء الثائرين، وحين علموا بما يدور في حقهم قصدوا جيرة الملك عبدالعزيز وأريحيته، فيمموا قصدهم إلى القريات ووادي السرحان، وهنا كان المقام في ظل رجل كان في أعلى بل على رأس السياسات العالمية في ذلك الوقت، فطاب بهم المقام عنده - رحمه الله - وحينما وصل الدكتور مدحت شيخ الأرض إلى عاصمة الدولة السعودية - الرياض - فدم نفسه للملك عبدالعزيز طبيباً ليعمل في مديرية الشؤون الصحية، فرحب به المؤسس خير ترحيب ليكون من ضمن الفريق الطبي السوري الذي سبقه في الوصول إلى الرياض، وهما د. محمود حمدي حمودة مدير الصحة العامة إضافة إلى كونه طبيب الملك الخاص، والدكتور محمد علي الشواف، وفي الدولة السعودية الصاعدة عُيِّن شيخ الأرض كطبيب خاص للمؤسس، ومن هنا بدأ حياته الحقيقية فشهد معه عدة وقائع حربية خاضها الملك عبدالعزيز وقاد زمامها، مثل السبلة والحشود ضد الدويش في الدبدبة وخباري وضحا، وكان ذلك في سنة 1930م، كما تشير الكتب التي عنيت بالحديث عنه أنه رافق الملك في كثير من حله وترحاله، ولازمه حتى وفاته سنة 1953م، وعين كوزير للدولة ثم عين أيضاً على أن يكون سفير المملكة العربية السعودية في إسبانيا عام 1955م - 1961م، وبناء على رغبته الخاصة نقل إلى ليبيا ثم نقله الملك فيصل إلى سويسرا ومنها إلى فرنسا سنة 1963م، كما عاد إلى سويسرا سنة 1972م ممثلاً للدولة السعودية الناهضة لدى الأمم المتحدة في جنيف حتى سنة 1990م.
وفي غضون عمله كسفير للدولة السعودية في سويسرا كلفه الملك فيصل ببناء مسجد في برن غير أنه وجد معارضة من الجانب السويسري، وحينما عاد إلى سويسرا عام 1972م، بدأ بتأسيس معهد إسلامي استأجر له طابقين في مبنى وحول جزءاً منه إلى مسجد، وثلاث غرف للمدرسة، وخصص غرفتين للإدارة، ثم مكنه الله من شراء أرض في جنيف بنى عليها مسجداً افتتحه الملك خالد سنة 1977م، وكان هذا المسجد سبباً في دخول كثير من الغربيين في الإسلام، وعلى رأسهم المفكر الفرنسي روجيه جارودي، هذا وقد حفل المركز الإسلامي بالنشاط الدعوي الإسلامي، تحت إشراف الدكتور مدحت شيخ الأرض عليه من الله وابل الغفران.
وهنا فقد لبث شيخ الأرض في خدمة السلك الدبلوماسي أعواماً مديدة وسجل فيها أعظم الصور عن مكانة المملكة العربية السعودية وذلك لما يتمتع به من علاقات اجتماعية أثيرة في السلك الدبلوماسي الذي خدم المؤسس وأبناءه من خلاله، وعندما أحيل للتقاعد تفرغ للدعوة الإسلامية في المركز الإسلامي الذي أنشأه في جنيف.
وكما تمثل جريدة أم القرى الجريدة الرسمية للدولة، فهي أيضاً تمثل ذاكرة التاريخ السعودي الحولي، فقد احتوت على ما يقرب منه ثمانية أعداد طرزت بأخبار الطبيب الدبلوماسي السفير الدكتور مدحت شيخ الأرض.
وبعد حياة مديدة قاربت المائة عام أسلم الروح لباريها في يوم الجمعة 18-5-2001م، وصلي عليه في جامع الإمام تركي بن عبدالله الأول بالرياض ودفن هناك، وتخليداً لذاكره فقد بنى له ورثته مسجداً في حي بيبان في جرول في مكة المكرمة، وقد خلف وراءه ابنته هالة، وولده رفعت الذي يعد من رجال الأعمال وطبقاً للبيان الذي بثته وكالة الأنباء السعودية (واس) فإن الراحل كان مثالاً للتفاني والإخلاص في خدمة بلاده ومليكه.
وبعد: فالمتتبع لذكرى الدكتور مدحت شيخ الأرض يجد أنه عاش بين المسار الطبي والمسار الدبلوماسي ما يقرب من خمسين عاما، فضاها في خدمة المؤسس وأبنائه الميامين بكدح وجد ودأب وإخلاص - رحمه الله رحمة الطيبين الأبرار.
... ... ... ... ...
مصادر المادة:
مدحت شيخ الأرض بين الطب والسفارة
د. عبدالكريم إبراهيم السمك المجلة العربية
عدد (527) - أغسطس 2020م، ذو الحجة 1441هـ
** **
حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - بنت الأعشى -