الدافع لكتابة هذا المقال اطلاعي على مجموعة من كتب الجغرافيا والتاريخ الإغريقية عن جزيرة العرب، منها سبعة عشر كتاباً احتوت معلومات جغرافية واجتماعية عن «العربية السعودية» في المصادر الكلاسيكية بتحرير الدكتور عبدالله العبدالجبار. من أبرزها كتب كل من الحكيم بطليموس وسترابون وبلينيوس، إضافة لكتابين من إصدار جامعة الملك سعود، وكتابين آخرين من إصدار مركز عبدالرحمن السديري الثقافي. (أنظر الصورة)
وقد استفدت من كتب بطليموس القلوذي كما سبق أن استفاد كل من ياقوت الحموي صاحب «معجم البلدان»، ولسان اليمن الحسن بن أحمد الهمداني صاحب كتاب «صفة جزيرة العرب» من كتابي بطليموس الشهيرين «المجسطي» و»دليل الجغرافيا.» 3، 4، 5
ومن محاسن الصدف أن ينص بطليموس على وصف جزيرة العرب بجميع أقاليمها «بالعربية السعودية» «Arabia Felix» وذلك يدل على قدم ارتباط السعد والسعود بتراث «العربية السعودية» الجغرافي والتاريخي منذ ذلك التاريخ. ويوضح ذلك تعريف السعد في «كتاب المفردات في غريب القرآن» للراغب الأصفهاني (ص 238) بما يلي:
سعد: (السعد والسعادة معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير ويضاده الشقاوة، يقال سعد وأسعده الله ورجل سعيد وقوم سعداء وأعظم السعادات الجنة فلذلك، قال تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ} الآية.... وسعود الكواكب معروفة) انتهى1
فائدة في تعريف سعود الكواكب: اختار العرب نوء سعد السعود مسمى لأجمل أيام السنة في جزيرتهم العربية السعودية، وذلك يبدأ من اليوم التاسع من شهر آذار (مارس) وينتهي في اليوم الواحد والعشرين من الشهر نفسه ومدته ثلاثة عشر يومًا. ويشتهر بالأيام والليالي الربيعية الجميلة وتفتح الأزهار وانتشارها، وتفريخ الطيور وجمال ألحانها وأصواتها. وقد قالت العرب في وصفه: (إذا طلع سعد السعود نضر العود ولانت الجلود وذاب كل مجمود وكره الناس في الشمس القعود) انتهى2
تعريف بلاد العرب قديماً: تكفل الجغرافيون الإغريق والرومان والعرب بتعريف وتحديد بلاد العرب قبل ألفين ومائتي عام تقريباً حيث قسموا بلاد العرب إلى ثلاث مناطق عربية متجاورة (بتصرف):
المنطقة الأولى: «Arabia Felix» وترجمته الحرفية «العربية السعودية»: وتشمل جزيرة العرب بجميع أقاليمها وشواطئها. وحدودها الشمالية تبدأ بخط أفقي من الأبلة الواقعة على شط العرب ويمتد إلى العقبة الواقعة على خليج العقبة في البحر الأحمر، ومن الجنوب بحر العرب، ومن الشرق خليج عمان والخليج العربي ومن الغرب البحر الأحمر. انتهى3
المنطقة الثانية: «Arabia Deserta» وترجمتها الحرفية «برية العرب»4: وهي تشمل اليوم ديار بكر وديار ربيعه وبادية الشام، ويحدها من الشمال والشرق نهرا دجلة والفرات ومن الجنوب «العربية السعودية» ومن الغرب «العربية البترائية».انتهى3
المنطقة الثالثة: «Arabia Petraea» وترجمته الحرفية « العربية البترائية نسبة للبتراء»: وهذا إقليم يشمل البلقاء وجنوب فلسطين وسيناء وفسطاط مصر إلى النيل. انتهى3
حدود شبه الجزيرة العربية: اكتسبت شبه الجزيرة العربية اسمها من موقعها الجغرافي الذي يحدها الماء من جهاتها الأربع. فمن جهة الجنوب يحدها بحر العرب، ومن الشمال يحدها نهرا دجلة والفرات، ومن الغرب يحدها البحر الأحمر وفسطاط مصر، ومن الشرق يحدها خليج عمان والخليج العربي.
تعريف جزيرة العرب عند ياقوت الحموي والهمداني:
ذكر ياقوت الحموي - رحمه الله - في «معجم البلدان» تعريفاَ بجزيرة العرب مسنداً إلى ابن عباس رضي الله عنه، حيث قال: «وإنما سميت بلاد العرب جزيرة لإحاطة الأنهار والبحار بها من جميع أقطارها وأطرافها فصاروا منها في مثل الجزيرة من جزائر البحر، وذلك أن الفرات أقبل من بلاد الروم (تركيا) فظهر بناحية قنّسرين ثم انحط على أطراف الجزيرة وسواد العراق حتى وقع في البحر في ناحية البصرة والأبلة وامتد إلى عبدان، وأخذ البحر في ذلك الموضع مغرباً مطيفاً ببلاد العرب منعطفاً عليها فأتى منها على سفوان وكاظمة إلى القطيف وهجر وأسياف البحرين وقطر وعمان والشحر ومال منه عنقٌ إلى حضرموت وناحية أبين وعدن وانعطف مغرباً نصباً على دهلك واستطال ذلك العنق فطعن في تهائم اليمن إلى بلاد فرسان وحكم والأشعريين وعَكّ ومضى إلى جدة ساحل مكة والجار ساحل المدينة ثم ساحل الطور وخليج أَيْلَةَ وساحل راية حتى بلغ قلزم مصر وخالط بلادها، وأقبل النيل في غربي هذا العنق من أعلى بلاد السودان مستطيلاً معارضاً للبحر معه حتى دفع في بحر مصر والشام، ثم أقبل ذلك البحر من مصر حتى بلغ بلاد فلسطين فمرَّ بعَسْقلان وسواحلها وأتى صور ساحل الأردن وعلى بيروت وذواتها من سواحل دمشق ثم نفذ إلى سواحل حمص وسواحل قنّسرين حتى خالط الناحية التي أقبل منها الفرات....» انتهى4
كما أسهب الحسن الهمداني -رحمه الله- في كتابه «صفة جزيرة العرب» وهو يحدد جزيرة العرب وبلادهم فقال في صفحة (3):»...، فجنوبيها: اليمن، وشماليها الشام، وغربيها: شرم أيلة وما طردته من السواحل إلى القلزم وفسطاط مصر، وشرقيها: عمان والبحرين وكاظمة والبصرة، وموسطها: الحجاز وأرض نجد والعروض، وتسمى جزيرة العرب، لأن اللسان العربي في كلها شائع...» انتهى5
ثم استطرد الهمداني وعدد نعم الله التي أسعد بها العرب وجزيرتهم فقال في صفحتي (5، 6): «فصارت هذه الجزيرة تقطع على أشرف الأقاليم في موسطها،.... وبها البيت الحرام، والبيت الذي جعله الله مثابة للناس وأمنًا، ومقام إبراهيم عليه السلام، وأم القرى، ومخرج النبوة، ومعدن الرسالة، ومتبوأ إبراهيم ومنشأ إسماعيل، ومولد محمد صلى الله تعالى عليهم أجمعين،... وبها أرض يثرب مهاجر النبي عليه السلام، وحرمه، ومركز الإسلام، ومقام الإمامة، وقطب الخلافة، ودار العز، ومحل الأمرة، وبها الوادي المقدس طوى، وطور سيناء، ومسجد إيلياء، وآثار الأنبياء، ومنابت الأتقياء، ومحافد الأصفياء، وعرصة المحشر، وجبال الرحمة، ومتعلق السياحة والعبادة،...» انتهى5
وينقل الهمداني لنا ما أتى عن بطليموس القلوذي في طبائع أهل العمران من «جزيرة العرب» على التبعيض والتجزئة، قوله في الصفحات (45،44،43): «وأما الذين في أرض نجد والحجاز وتهائمها.. فأهلها لذلك حسنة أخلاقهم، جميلة هيئتهم سهل عيشهم - يريد أنهم يجتزون بالدر من أنعامهم - ولهم نفاذ في التجارة والأخذ والأعطاء وملائمة للمذاهب الجميلة والمعالي والرياسات، وبلدهم خصب كثير الأفاويه. وإنما سماها بطليموس أرض الأعراب لأجل أن أكثر العرب بادية، وسماها خصبة لأنها أكثر البلاد كلأ دون المزارع، ولذلك اعتمد أهلها على المال السارح وحموه بالخيل إذ لا حصون لهم، ويريد أنها كثيرة الأفاويه بزهور الرمال مثل الأقحوان والخزامى وغير ذلك، واليمن يجمع الورد وكثيراً من الأفاويه ولا يعدم بها أكثر الحشائش التي ذكرها (ديوسقوريدس) في كتابه المعروف بكتاب (الحشائش) مع نفيس الجواهر... وبها مرامي العنبر على سيوفها». انتهى5
توحيد أقاليم جزيرة العرب عبر التاريخ المكتوب:
سبق أن توحدت جميع أقاليم «العربية السعودية» في عصر المصطفى صلوات الله عليه وسلم وامتدت وحدتها إلى عصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
وفي مرحلة من مراحل حركة التاريخ في العصر الحديث أعاد التاريخ نفسه وقاد عبقريُ المرحلة الملك الملهم عبدالعزيز - قدس الله روحه- وقادته المخلصين الأشاوس جهاداً شريفاً عزيزاً لتوحيد مجموعة من أقاليم جزيرة العرب تشمل نجد والأحساء والحجاز وتهامة وعسير ومخلاف جازان وجوف آل عمرو والطور وبلاد مدين. فأصبحت مرة أخرى كياناً «عربياً سعودياً» ينعم بالأمن والأمان ويأخذ بأسباب العلوم وأسباب التقدم والصحة في الأبدان. أرض تتفجر بالكنوز والخيرات، وتنعم بالسعد في ظل حكومة ديدنها الأمن والعدل والقسطاس.
ويقودنا الحديث عن يوم مبارك وذلك اليوم هو الثاني عشر من شهر جمادي الأولى عام (1351 هجرية) حيث اجتمع سبعة عشر وجيهاً من الوطنيين المخلصين في مقدمتهم المشايخ عبدالله الشيبي، وعبدالوهاب نائب الحرم، ومحمد صالح نصيف، وحرروا صكاً تاريخياً ينادي بتثبيت مسمى «العربية السعودية» اسماً وعنواناً لوحدة هذه الأقاليم المباركة بأسلوب وطني أصيل أقتطف من نصه هذه الفقرات من كتاب «البلاد العربية السعودية» صفحة (92) (بتصرف): «إن الله سبحانه وتعالى قد خص هذه البلاد بين شقيقاتها الأقطار العربية، فكانت أشرف صقعاً، وأوسع رقعةً، وأعز نفراً وأوفر خلقاً وعداً، وأظهر استقلالاً وسؤدداً... ففي البلاد بأجمعها ما يوحدها ويجعلها وحدة عنصرية كاملة ويجعل أهلها أمة واحدة لا فرق بين من أتهم منهم ومن أنجد، ومن أغور، ومن أحجز، ومن أيمن... وكان اسمها (السابق) «المملكة الحجازية والنجدية وملحقاتها» لا يعبر عن الوحدة العنصرية والحكومية والشعبية الواجب إظهارها فيها ولا يدل إلا على مسميات لأصقاع جغرافية لبعض أقطار العرب تقصر عن الإشادة بالحقيقة الواقعة المشار إليها آنفاً، ولا يرمز إلى الأماني التي تختلج في صدور أبناء هذه الأمة للاتحاد والائتلاف... فإن المجتمعين يرفعون.. أمنيتهم الأكيدة... بالموافقة على تبديل اسم المملكة (السابق) إلى اسم يكون أكثر انطباقاً على الحقيقة وأوضح إشارة إلى الأماني المقبلة، وذلك بتحويل الاسم السابق إلى اسم «المملكة العربية السعودية» الذي يدل على البلاد التي يقطنها العرب ممن وفق الله جلالة الملك إلى توحيد شملهم وضم شعثهم...». انتهى6
مجلس التعاون لدول الخليج العربية:
ومن حسن الطالع أيضاً أن توحدت دولة الإمارات العربية المتحدة بجهود الشيخ زايد آل نهيان - رحمه الله - وإخوته مشايخ الإمارات الكرام فأصبحت دولة يشار لها بالبنان.
كما تأسس «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» الذي يسعى قادته جاهدين لتوحيد كياناته المتعددة ومؤسساته وسياساته لقيام دولة اتحاد قوية جديرة بالتقدم لمصاف الدول المتقدمة علمياً وعالمياً واقتصادياً.
واليمن الأخضر الغالي في قلوبنا المبتلى بآفة القات والجهل والأمراض جزء لا يتجزأ من اتحاد كيانات جزيرة العرب، حيث إن تهامة اليمن امتداد لتهامة الشام وحجاز اليمن جزء من حجاز الشمال وأبين والشحر وهضبة حضرموت ما هي إلاَّ ثغور بحرية عزيزة ومهمة لجزيرة العرب على بحر العرب.
اللهم كلل جهود قادتنا بالخير والتوفيق والسداد، ورد كيد أعدائهم في نحورهم. انتهى
والحمد لله على توفيقه.
... ... ... ...
المراجع:
1 - كتاب «المفردات في غريب القرآن» للراغب الأصفهاني (ص 238).
2 - كتاب «الأنواء في مواسم العرب» للدينوري (مادة سعد السعود).
3 - كتاب «بطليموس كلاوديوس والجزيرة العربية» مع كتاب «تاريخ شبه الجزيرة العربية وآثارها قبل الإسلام» للدكتور زيدان كفافي.
4 - كتاب «معجم البلدان»: مادة جزيرة العرب.
5 - كتاب «صفة جزيرة العرب» للحسن الهمداني: مادة جزيرة العرب.
6 - كتاب «البلاد العربية السعودية» لفؤاد حمزة.
** **
- محمد بن عبدالله الخيال