الذي يتزيّا لنا هذا العام.. أقصد ما يكاد يُفرش هذا الشتاء وعلى غالب الأطراف الشمالية بوطننا العزيز، وهذه قد تكون من النوادر لأن صقيع البرد يزور الشمال كل موسم شتويّ، لكن البرد- بفتح الباء- يمر «مرور الكرام»، وبالمناسبة/ الكريم -النفس - هو الذي لا يثقل على أحد من أي وجه، خصوصا ما يفضي إلى تكلّف المقابل، هنا يأتي محل هذه الجملة / أن من زار وخفف فهو الـ(كريم) الذي يُفرح به، بخاصة إذا استحضرنا المقابل له، وهو ذاك الذي سُلح بـ/
إذا نزل الثقيل ديار قوم
فما على القوم إلا الرحيلُ
نعود للسياق..، فأقصد أنه قلّما يلبث..
إذ شمسنا المتوهّجة تهجم عليه في الهجيرة، فلا تبقي منه أو تذر..
وهنا (سبب) رئيس يجعلنا واحتفاءنا به آت على نمط مخالف لأي تغير مناخيّ وخصوصا هذا العام وقد طال أمده بيننا.. أن لعل المروج تعقب ذوبانه فتجري الأخاديد، والوديان (مطمعنا) أن يطول براحه بيننا، فيلبث ما يلبث عسى أن تزهر الربا، فتتغنّى به المُنى، ففي الصور والفديوهات المغرية لتلألأ ذاك البياض الذي لكأنه ينادي حتى شمّر للتجاوب (..مع تلك المغربات) من ليس للرحلات والنزهات في ترتيبه ما يعطفه أن يكسر جدوله المعتاد، ولا غرو فلئن كانت الخضرة والماء والوجه الحسن جوالب للسعادة فإن لنا نحن (أهل) هذه الصحاري.. والقفار أن نضيف رابعا لتلكم/ الثلج ليس إغراء فقط، بل لأن الشيء النادر تجعله يأخذ حظوة تماثله، بحفاوةً غير معتادة، كالاحتفال بنجاح الكسول تعليلا «هل كل عام يتفوق»؟!
فنفس التعليل يساق على عوالمنا حين تحوّلت إلى وجه طفولي (قد) يعبث كما يصنع الصغار، أوكما عللت أم زياد
ردت لي كتبي ومدرستي والعمر اللي كان وهي تعني تلكم الأجواء التي عاشتها بزمن تولّى.. وما أتى ما يعيد ملامح منها
فيسحب بساط الماضي.. بلا هوادة مع هذه النفس، بالذات إن كان ثقيلٌ واقعها، وهكذا الإنسان إن وجد أسبابا لسعادة، ومحفّزات صيدها ففي الغالب يخلع رداء الوقار ليشذّ بتلكم اللحظات مستنفرا إليها لها، على وجه مخالف..عما عُهد عنه، ولا عجب!
فلقطةٌ ما تجدها لأحد كبار السنّ وقد بسط ظهره ليعتليه صغيره، وهو يناغيه بكل ما يلامس به برأة الصغير (لقطة) لا ولن تعتب عليه، أو تأخذه بعذل، ففي الحديث عند (الطبراني):
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي فجاء الحسن والحسين أو أحدهما فركب على ظهره، فكان إذا رفع رأسه قال: بيده، فأمسكه أو أمسكهما، قال: (نعم المطية مطيتكما).
و.. هنا أستدرك لإتمام فكرة ما ذكرت نظم غازي القصيبي -يرحمه الله- يوما لفى صبيّةً عليها من محاري الحسن.. بل أخذت منه كل شيء كما أخذت -بذلكم- لبّ الشاعر فتنفرط منه المشاعر درجة أن علل لنفسه أو للصبية (لافرق):
وتلوحين فأنسى أنني خبر
أمسى في ذمة كان
ويعود العمر طفلا جامحا
ليس يلويه عن اللهو عنان
إلى أن يثري المعنى فيطنب به بإعجاب/
كيف ارجعت شبابي كله
كيف أوقفتي مسيرات الزمان
آه.. لقد وقعت يا (دكتور) على الجرح.. الذي أشار له أحمد شوقي:
قد يهون العمر إلا ساعة
وتهون الأرض إلا موضعا
ويكفي من البيت (الصدر)، لأعود لصدر المادة.. وأن استشففت جزءا من وحيها من عنوانٍ حرّك المشاعر لبثّ هذا الشعور.. فنشره صدر الصفحة الأولى من الجزيرة - عدد الجمعة بالرقم 17625 -، شاكرا.. من أنه لوى عنان «عبيري» ليُملي..