التاريخ الزراعي المضيء الذي يصنعه وطننا تعترف به «منظمة الفاو» اليوم ضمن التقويم النبيل للبشر أجمعين؛ ليكون تاريخًا يبتهج فيه البشر في دول العالم بأعظم محاصيل التاريخ وقيمه السامية في العطاء.
هدية وطننا المملكة العربية السعودية للبشر في رؤيتها الجديدة 2030، باعتماد مجلس منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو»، خلال دورته الـ 165 التي عقدت مؤخرًا بشأن إقامة سنة دولية للتمور في عام 2027م، تضيف إنجازًا مهمًّا لرسالة وطننا العالمية ورؤيته الحضارية التي باتت هدفًا كبيرًا في فكر قيادته الرشيدة، وذات أولوية قصوى في حقيبة قوتها الناعمة النشطة عالميًّا لترسيخ زراعة شجر النخيل عالميًّا. وما هذا الإنجاز إلا ثمرة مثابرة المملكة التي حققت سبقًا تاريخيًّا في مأسسة نشر زراعة النخيل محليًّا لإيمانها العميق والأصيل بأهمية هذه الشجرة للارتقاء بالإنسان، وتمكينه، وتنمية مداخيله، وضمان مستقبله الأفضل.
عام 2027م لن يُنسى؛ فهو عام التمور، التمور التي لا يمكن الفصل بينها وبين الموائد الممتدة بعطائها امتداد التاريخ، الحافلة بأسرارها كلما توالت عليها العصور.
الشجرة الطيبة ذات الطلح الطيب، جذرها في الأرض، وفرعها في السماء، وتُعتبر شجرة الحياة؛ فقد عُرفت النخلة منذ عصور ما قبل التاريخ، وورد اسمها في النصوص الأدبية وفي الكتب السماوية المقدسة. وإن الحديث عنها يقودنا إلى رائحة الماضي العريق، الممزوجة بروح الحاضر المتجدد؛ فجذور هذه الشجرة متأصلة في تاريخ أهل الخليج عامة، وأبناء المملكة بصفة خاصة. ويأتي الإنجاز الجديد ليؤكد هذه القيمة التي حملت قيادة وطننا رسالة إيصالها بمجهودات جبارة؛ لتضع العالم اليوم أمام مسؤولية عظيمة تجاه هذا المنتج العالمي الفاخر.
المكانة العظيمة والتأثير العالمي والإيجابية الفريدة، التي نشاهدها اليوم لوطننا في مجال التمور، تؤتي نتائج تعم الإنسانية جمعاء؛ فهي تستحوذ على 17 % من الإنتاج العالمي، ويتجاوز عدد النخيل فيه نحو 31 مليون نخلة، تنتج سنويًّا أكثر من 1.5 مليون طن.
ووفقًا لإحصائيات منظمة الأغذية والزراعة، يغطي إنتاج نخيل التمور عالميًّا مساحة تتجاوز مليون هكتار، ويبلغ إجمالي الإنتاج نحو 8.5 مليون طن متري، وتمتد زراعته إلى آسيا نحو 648.3 ألف هكتار، وفي إفريقيا 435.7 ألف هكتار، وفي أوروبا 947 هكتارًا، والأمريكيتين 7022 هكتارًا، بينما تعـد آسيا وإفريقيا أكبر منطقتين لإنتاج التمور بنسبة 8.55 % و4.43 % على التوالي من إجمالي الإنتاج العالمي.
إن اعتماد مجلس منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو» بالإجماع هذا القرار ضمن مبادرة قدمها الوطن هو دليل يتجدد على مدى قوة هذه المكانة والتأثير والإيجابية، الذي يقود من خلاله وطننا حراكًا محليًّا وعالميًّا واسعًا لتضامن كفيل برفع مستوى الوعي بالمنافع الاقتصادية للتمور، وأهمية الممارسات الزراعية والإنتاجية المستدامة بالنسبة إلى ملايين الأسر الزراعية الريفية وأصحاب الحيازات الصغيرة، وخصوصًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتوعية وتحفيز الأسواق بمنافع التمور وتشجيع سلاسل القيمة الجيدة التي تعتمد المكننة المبتكرة والرقمنة وخدمات ما بعد الحصاد.
وما سخر وطننا دبلوماسيته لتحقيقه في هذا الإنجاز عبر تأكيد الاعتراف الدولي الواسع بمنتج التاريخ والعطاء، وترسيخ سنة على التقويم العالمي، يحتفل فيه بنو البشرية جمعاء بالمنتج والشجرة اللذين تجمعهما، لم يكن ليلاقي هذا الإجماع والموافقة لو لم يكن معتمدًا على المستوى الحضاري والزراعي المتفوق لوطننا، الذي بات عاصمة للمبادرات الإيجابية، يقدم مساهمات غير مسبوقة، ترتقي بمستقبل البشر، ويضمن استمرار تقدم حضارته.
صوت وطننا المسموع على مستوى دول العالم يحمل براهين عظيمة؛ فهذا التأثير يقف وراءه النوايا المخلصة، والقيم الأصيلة الصادقة، والحب الحقيقي للتنمية الزراعية. وبلا شك فإن مزارعي أشجار النخيل وأصحاب مصانع التمور في هذا الوطن ما زال لطموحهم بقية، ولأهدافهم رحلة مستمرة، ورسالتهم حدودها عالية، في وطن شعبه ينظر إلى عنان السماء، في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين.