خالد بن حمد المالك
لأمريكا كما لغيرها تقاليدها، ولنا في المملكة تقاليدنا، لها ولغيرها قيمها ولنا قيمنا أيضاً، والشراكة والتحالف بين الرياض وواشنطن قائمان على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة، وليس لأي دولة في العالم فضل على المملكة سوى الله كما قال ذلك الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله -، وكل قطعة سلاح تصلنا من أمريكا نكون قد دفعنا قيمتها مقدماً، فلا فضل لواشنطن في ذلك حتى تَمُنَّ به علينا، وسوق السلاح موجود ومشَرَّع أبوابه في دول أوروبا والصين وروسيا وغيرها، وكلها تتمنى أن تزود المملكة بما تحتاجه من السلاح، لكن المملكة تفضِّل أمريكا بحكم العلاقة التاريخية والإستراتيجية والأهداف المشتركة التي تجمع بين الدولتين.
* *
والمملكة -كما هي سياستها المعلنة - لا تتدخل في شؤون الآخرين، ولا تسمح لأحد بأن يتدخل في شؤونها الداخلية، كما أنها لا تقبل بأن تُملى عليها تطبيق قيم لا تتوافق مع قيمها وتقاليدها، انطلاقاً من أنها دولة عظمى ومستقلة، وتأثيرها اقتصادياً وأمنياً وسياسياً وعسكرياً على المستوى العالمي مشهود لها، بما يعطيها الحق كاملاً في أن تقف بقوة وحزم وعزم أمام أي امتحان لمن يريد معرفة ردود فعلها أمام من يتجنى عليها، ومن ثم التصدي له بالأسلوب والآلية والعمل المناسب.
* *
وأمريكا ليس لها الحق في أن تستقوي على الحليف الإستراتيجي لها بالمنطقة، وليس من مصلحتها أن توظف خلافاتها الداخلية في الإضرار بمصالحها ومصالح شركائها، دون أن تفكر بتداعيات أي تصرف غير مسؤول يصدر عنها، ويُعلن على الملأ، على شكل اتهامات، وتخرصات، واستنتاجات لم تبن على وقائع، ولم تقم على براهين، ولم تعتمد على حقائق، وإنما هي توقعات وادعاءات اعتمدت على ما كان يصدر عن الدكاكين الإعلامية، وعلى مصادر مشكوك في صحتها وأهدافها، وهو ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية باعتمادها ومصادقتها على تقرير المخابرات لديها عن مقتل الزميل جمال خاشقجي - رحمه الله -، وقد صِيغَ بطريقة عدوانية، وبأسلوب يَنُمُّ عن تَقَصُّد واضح للمملكة ولولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان.
* *
لقد سارعت المملكة من خلال وزارة خارجيتها بإصدار بيان يُفَنِّد ما جاء في تقرير المخابرات الأمريكية، بل ويرفضه رفضًا قاطعًا، كون هذا التقرير استند على استنتاجات ومعلومات مسيئة وغير صحيحة عن قيادة المملكة، متجاهلاً هذا التقرير (البائس) ما سبق أن صدر بهذا الشأن من الجهات المختصة في المملكة، وتأكيدها بأن ما حدث يُعَدُّ جريمة نكراء، وأنها شكَّلت انتهاكًا صارحًا لقوانين المملكة وقيمها، وأن من قام بهذه الجريمة مجموعة ممن تجاوزت الأنظمة كافة، وخالفت صلاحيات الأجهزة التي كانوا يعملون فيها، ما يعني أن التقرير تَعمَّد تجاهل كل هذا من أجل الإساءة إلى المملكة وقادتها.
* *
ومع أن المملكة اتخذت الإجراءات القضائية كافة للتحقيق مع هذه المجموعة وتقديمهم للعدالة، ومن ثم صدرت بحقهم أحكام نهائية رحبتْ بها أسرة خاشقجي، إلا أن التقرير تغافل عن كل هذا، وراح يقدم استنتاجات وافتراضات لا ترتقي إلى مستوى النظر الحقيقي إلى الجريمة من زواياها المختلفة، ما يفسره العقلاء والمنصفون على أنه تَعمُّدٌ أمريكي صريح للمساس بقيادة المملكة وسيادتها واستقلال القضاء فيها، وهو ما جعلت وزارة الخارجية تعلن رفضها القاطع لهذا التقرير، ولأي عمل من شأنه المساس بالمملكة قيادةً وشعبًا.
* *
ومن الواضح أن ما ورد في هذا التقرير سوف يشجع أعداء الدولتين - أمريكا والمملكة - على تسييس هذه الجريمة لضرب واستهداف العلاقات الثنائية، وإن كنَّا على ثقة بأن الشراكة القوية والتاريخية بين الدولتين لن تسمح باختراق هؤلاء لها، أو التأثير عليها، وأن المؤسسات بين الدولتين ستستمر في العمل على تعزيزها، وتكثيف التنسيق والتعاون، انطلاقاً من أن المملكة حليف إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية لا غنى عنه.
* *
على أن هذا التقرير لا قيمة له، أمام شعب سعودي يقف خلف قيادته فيما اتخذته من قرارات للتعامل مع قضية خاشقجي، ومنع تكرارها، ولن يتأثر بمحاولات تسييسها، أو إشغاله عن القيام بدوره في مساندة قيادته في جهودها لبناء مستقبل مزهر لشعبها، وبخاصة أن المملكة طبقت القانون في محاكمة المتهَمين بحضور ممثلين من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، إلى جانب ممثل من تركيا، وممثلين من منظمات الحقوق السعودية، وأبناء المجني عليه، مما يعكس منهج الشفافية لدى المملكة التي طبقتها السلطات القضائية.