إن التصالح مع النفس حالة سامية من الشعور الداخلي بالقناعة والاكتفاء، لا يصل إليها الإنسان إلا بتوفيق الله -عز وجل - أولاً ثم بصفاء روحه ونقائها وسلامتها من الآفات والمشاكل والاضطرابات.
قد تفرض عليك الظروف في بعض الأحيان أن تصاحب نفسك وتكتفي بهذه الصحبة عن أي شيء آخر، فتجد نفسك تميل إلى التخلص من العلاقات الزائدة والمترهلة التي تمثّل عبئاً وحملاً ثقيلاً عليك، كون أصحابها من ذوي المصالح والانتهازيين، أو العالم الفطري (المتسلق)، أو حتى من متقلبي المزاج الذين يتعاملون معك وفق حالتهم النفسية والمزاجية، ويحاولون جاهدين قولبتك، وإخراجك من شخصيتك التي اختارها الله لك إلى (الحالة) التي يريدها مزاجهم وتتوافق مع نفسياتهم، والتي تصل عند البعض إلى مبدأ (إن لم تكن معي فأنت ضدي!)، ويستخدمون في سبيل ذلك أساليب مختلفة، ويسعون جاهدين للضغط عليك، وقد يفتعلون المواقف والأحداث من أجل (السيطرة عليك) وإشباع ذواتهم.
وتزداد حدّة هذا النوع من الممارسات أو تقل بحسب العلاقة والرابطة التي تكون بينكم، فكلما كان قريباً كان الضغط أكبر، وبالتالي زادت المعاناة، وفي الوقت ذاته كلما كثرت الضغوط وزادت الأحمال والأعباء التي لا طائل تحتها زادت الرغبة في التخلص منها والبحث عن البديل المناسب والمتوافق، أو قفل الباب إن لم يتحقق ذلك، والعودة إلى النفس ومصاحبتها ومراجعة أحوالها، ومحاولة اكتشافها من جديد، والواقع ملئ بالشواهد على أشخاص لم يكتشفوا مواهبهم وقدراتهم إلا بعد أن قطعوا شوطاً طويلاً في الحياة كانت للصعوبات البطولة المطلقة فيها، لكن بعد أن صفت نفوسهم وأذهانهم، أثروا الإنسانية بأعظم الأعمال والإبداعات.
أخيراً لو لم يحصل للإنسان من مصالحة نفسه إلا السكون والراحة والمحافظة على ما تبقى من شمله لكفى.