د. إسماعيل بن غازي
إنَّ عملية (التحكيم العلمي) للأبحاث والدراسات العلمية المتنوعة عملية نشطة في أروقة الجامعات، لا تكاد تهدأ. وكلما كانت الجامعة أعلى رتبة ومكانة زاد عبء التحكيم عليها؛ إذ هي إشارة إلى وجود عمل دؤوب ونشاط متنوع الضروب؛ وهذا ما يخولها الذهاب صعودًا، والارتقاء في سلم الترتيب العالمي للجامعات.
ومن مظاهر التحكيم العلمي في الجامعات: تحكيم رسائل الماجستير والدكتوراه، وتحكيم الأبحاث في المجلات العلمية، وتحكيم أوراق الندوات والمؤتمرات، وتحكيم المقررات الدراسية، وتحكيم الأبحاث العلمية المدعومة، وتحكيم الأبحاث المقدمة لنيل الترقية العلمية.
ولا تخفى أهمية عملية التحكيم العلمي في تصحيح الكثير من الأخطاء التي تحصل، وتوجيه الأبحاث والرسائل نحو الأفضل، وتجاوز العثرات في المستقبل.
فهل من سبيل إلى تخفيف ذلك العبء المتزايد يومًا بعد يوم؟
ونحن نرى ونلمس الخدمات الرائعة للذكاء الصناعي التي دخلت في الكثير من المجالات الحيوية؛ إذ إن خدماته تتميز بالدقة المتناهية مع السرعة الكبيرة والتفصيلات العديدة. ومن المجالات التي دخلها الذكاء الصناعي: المجال التعليمي، ولكن دخوله كان في مجالات ضيقة، وأرى أنه يمكن الاستفادة من هذا النوع من الذكاء في المساعدة في (التحكيم العلمي)، والقيام بأكثر أعمال المحكم البشري، ومن ذلك مثلاً:
أولاً: التأكد من وجود الملخص، وشموله لجميع فصول أو مباحث الدراسة.
ثانيًا: التأكد من استكمال عناصر الدراسة من الأهمية والأهداف والمشكلة والمنهجية والتبويب وغيرها.
ثالثًا: حصر الأخطاء الطباعية والنحوية التي وقع فيها الباحث.
رابعًا: التأكد من تطبيق شروط الجهة العلمية الأخرى كطريقة ذكر المراجع، وعدد الكلمات المطلوبة، وطريقة كتابة الهوامش وغيرها، مع حصر المخالفات في ذلك.
خامسًا: إعطاء دراسة عن عدد ونوع ونسبة الاقتباسات الحرفية، وبيان مدى ونوع التجاوز الذي وقع فيه البحث، مع بيان السرقات العلمية.
سادسًا: إعطاء دراسة عن المصادر المستخدمة وقيمتها من حيث الحداثة والاعتماد.
سابعًا: وجود النقد والتحليل في الدراسة.
ثامنًا: وجود النتائج العلمية وتحقيقها لأهداف الرسالة.
تاسعًا: التأكد من صحة وتمام النصوص المقتبسة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وآثار الصحابة والتابعين ونصوص العلماء.
عاشرًا: التأكد من صحة تخريج الأحاديث والآثار الواردة.
ولا شك أن دقة الذكاء الصناعي في النقاط آنفة الذكر متباينة، وتكاد تكون متطابقة في مثل كشف وبيان الأخطاء المطبعية، وفي عدد الكلمات، وفي الاقتباسات، بينما لا تكون متطابقة في إدراك النقد والتحليل في الدراسة.
كما توجد مجالات أخرى في تحكيم الأبحاث العلمية، لا أعرف هل يمكن للذكاء الصناعي تغطيتها بدقة كافية أم لا، كبيان عمق الدراسة العلمية، أو أهميتها، أو أهمية النتائج والتوصيات.. ولكني على ثقة بأن تجاوزها ليس مستحيلاً.
وإذا قال قائل: وما الفائدة من استعمال الذكاء الصناعي في التحكيم مع وجود الأساتذة والمحكّمين؟
الجواب: للتحكيم العلمي باستعمال تقنيات الذكاء الصناعي فوائد جمة، منها:
أولاً: توفير وقت وجهد الأساتذة العلماء.
ثانيًا: السرعة الكبيرة في أداء المطلوب.
ثالثًا: الدقة الكبيرة في العمل وإعطاء النتائج.
رابعًا: إعطاء التفصيل في كل جزئيات التحكيم المطلوبة، بما لا يوجد عند الغالبية العظمى من المحكّمين.
خامسًا: لا جور ولا ظلم بالتحكيم القائم على الذكاء الصناعي؛ فهو يعطي نتائج بناء على ما هو موجود غير متأثر بقناعات سابقة حول الموضوع، أو ترجيح مختلف لما رجحه الباحث، أو بأمور شخصية بينه وبين الباحث.
سادسًا: لا توجد محاباة أو مجاملة في التحكيم بواسطة الذكاء الصناعي؛ فلا قرابة ولا مصلحة ولا حاجة من حاجات الدنيا يحققها من خلال التحكيم.
ويمكن أن يكون ابتداء استعمال هذا الذكاء الصناعي لتخفيف العبء عن الأساتذة المحكمين عند استخدامه كأداة مساعدة في تقييم النقاط التي تثبت فاعليتها في الذكاء الصناعي، ويتفرغ الأساتذة للنقاط التي لا يغطيها الذكاء الصناعي حاليًا، مع الاستمرار في الارتقاء بهذا الذكاء في عملية التحكيم العلمي وتحسينه.
ويمكن بعد ذلك تطوير عملية التحكيم العلمي بواسطة الذكاء الصناعي للوصول إلى الروبوت الذكي للتحكيم العلمي لرسائل الماجستير والدكتوراه؛ فيقوم الروبوت بقراءة عمل الباحث، ومن ثم بيان أخطائه التي وقع بها، والقيام بشرح الطريقة المثلى لتصحيح الأخطاء، بل قد نصل إلى مرحلة قيام الروبوت بمناقشة الباحث فيما يبديه من اختلاف النظر بينه وبين هذا الروبوت.
قد يكون هذا ضربًا من الخيال، ولكنه ليس بعيد المنال، وأتشوق لإرسال بحث من أبحاثي إلى روبوت، ثم أقابله وأتناقش معه نقاشًا علميًّا.
والله تعالى أعلم.
** **
- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى