في تجربته الشعرية، نصح ووعظ وقصة زهد وورع وتاريخ منهج يقوم على عدم الاغترار ببريق الحياة وعدم الانجراف وراء الملذات، برزت أكثر تفصيلاً بعد وفاته، حين جاء الحديث المتتالي للتذكرة والذكرى والعبرة من أولئك الذين تعرفوا عليه عن قرب، أو ممن التقوه في مسارات عبور، فكان الواعظ والناصح والمرشد الأمين.. إنه شاعر «الدعوة»، الذي رحل الاثنين الماضي (21 ديسمبر الجاري) حاملاً معه أشعاراً، كنا ، ولا نزال، وسنظل، في أشد الحاجة إلى الاستماع لها، وأجدها فرصة لدعوة أبنائه ومحبيه بأن يجمعوا أشعاره وتسجيلاته الصوتية والمرئية كي تستفيد الأجيال المتتالية منها.
أجدني اليوم في لهفة الإعجاب بعد الرحيل المباغت، فرحاً ومبتهجاً كوني اطلعت على قصائده الوطنية خلال الفترة السابقة لمعرفة موقفه مما يحدث من تطورات في الساحة العربية، وهو الذي يُظهر لك رأيه بالتصريح أو بالتلميح، مستشعراً، بحكم ولائه وعشقه لوطنه وقيادته الرشيدة ـ أعزها الله ـ، حدود الكلام الفصل، ونصفه وثلثه، وما يصل إلى أقل من ذلك أو أكثر، بل إنه يدلك، حتى لو كان بالتغاضي، إلى الطرق الوعرة لتتجنبها في واقع شعري متوتر تتشابك فيه الأخبار مع المواقف والقناعات.
رحيل الشاعر راجح بن سالم العجمي، يترك فراغًا في شعر الدعوة والنصح والإرشاد، يندر سدّها، وهو بلا شك، رغم تأثيره السلبي، يُظهر أهمية وجود شعراء كبار في مجال تخصص الدعوة والنصح والإرشاد يلتزمون بانتظامه في بحور عروضية وبرويّ وقافية تسهل حفظه وترديده وتناقله، ومنْ تعرّفوا إلى شاعرنا راجح العجمي، وأنا هنا أتحدث عن تجربة خاصة محدودة حكاها لي أحد معجبيه معه، وكانت محددة بظرفَي الزمان والمكان، يدركون تمام الإدراك طُرُق الرشد لجهة تشكيل وعي شعري يقوم على الدعوة والنصح والإرشاد، أحسب فيه أنه كان حاسماً في النيابة عنَّا جميعاً عند الدوائر الأدبية والشعرية في هذا الوطن.
وإذا كنا في المملكة العربية السعودية يؤرقنا تذكر راجح العجمي حين الصباح وحين المساء، داعين بالرحمة والمغفرة له من الله سبحانه وتعالى، عبر ما يوجبه فرض الفراق، فإننا على المسار العملي مطالبون في أكثر وقت مضى بدراسة تجربته بالبحث والتقصِّي، أو على الأقل تدوين شهادات ممن عرفوه، وفي ذلك استجلاب الفائدة لنا جميعاً، وتفاعل ضمني مع ما مالت إليه وسائل الإعلام المحلية والعربية ووسائل التواصل الاجتماعية، حين أسهبت عنه في يوم وفاته.. أليس في سيرة ومسيرة راجح العجمي رواية للشعر وعلاقته بالناس من خلال حثه على العقيدة والمنهج القويم وجمع الكلمة ووحدة الصف ومكارم الأخلاق؟
رحمك الله أبا سالم، وأسكنك فسيح جناته، وتقبلك مع الصالحين والصديقين. وأحسن عزاء أسرتك وصحبك فيك.