الجزيرة الثقافية - محمد هليل الرويلي:
الخطابات الثقافية والاجتماعية والدينية والسياسية والنفسية تصب جميعها في الشحذ البلاغي المفضية للمحاججة عند إقامة المناظرات. ما جعل الناقد الفرنسي «رولان بارت» يصفها بالإمبراطورية الحقيقية الأكثر امتدادًا وإصرارًا من أية امبراطورية سياسية بحجمها وديمومتها. لذا فقد أوجدت ما يبرر اعتمادها في مقاربة خطاب المناظرة وتمثله, واستنطاقه وفق ما تمنحه آلياتها. ولا غرو أن نصّبت نفسها بانفتاحها على الأنساق الأخرى, فلم تعد محصورة على البُعد الجمالي بل أخذت للنزوع لعوالم رحيبة شاسعة, ولعل ذلك ما دفع «بول ريكو» للإشارة لطموح الكلياني ونزعة التسامي اللذين يخامرانها منذ موطنها الأول «صقلية» خلال القرن السادس قبل الميلاد حتى نصبت نفسها فنًا للخطاب الإنساني الأكثر إنسانية, لا بل إنها تطالب بتفوقها على الفلسفة ككل. وهذا البعد الحجاجي ربما يكون ما دفع «أرسطو طاليس» في كتابه (الخطابة) ليجليها بوضوح.
وفي نسق السوفسطائيين (محمد مندور/ الأدب وفنونه) اعتبروا أن الخطاب البليغ المفضي للإقناع في المناظرات يستطيع أن ينصر الحق كما يستطيع أن ينصر الباطل بقوة حججه أو براعته بالأقيسة والقضايا, الظاهر منها والمضمرة, لأن الحقيقة ليست شيئًا موضوعيًا قائمًا بذاته, بل هي شيء نسبي, ولأن الإنسان هو مقياس كل شيء, فالحق هو ما يراه كل إنسان حقًا, والباطل هو ما يراه باطلًا, وليس هناك حق موضوعي يتعارض مع الباطل الموضوعي ما دام الإنسان هو مقياس كل شيء.
(الجزيرة الثقافية) في ملف استقصائي, تستطلع وتحقق وترصد جوانب من آراء بعض النقاد والمبدعين العرب حول (المناظرات الأدبية) تقدمًا وتقهقرًا في حضورها وغيابها من المشهد: المنابر الثقافية, المنصات, الملاحق الأدبية, ودورها الذي اضطلعت عليه أبان حقب مر بها تراثنا العربي.