تَرُوج قصيدة شهيرة منسوبة للشاعر الجاهلي طَرَفَة بن العبد، ومطلعها:
إذا كنتَ في حاجةٍ مُرسِلاً
فأرسِلْ حكيماً ولا تُوصِهِ
والقصيدة تُنسب أيضاً لشعراء آخرين، منهم: صالح بن عبدالقدوس، وعبدالله بن معاوية، والزبير بن عبدالمطلب.
وعند الارتياب في نسبة قصيدة إلى عصر ما أو شاعر ما يلجأ الباحث إلى معايير، ومن أهمها:
1. دراسة مصادر النص، والمصادر التي بين أيدينا تحيل القصيدة إلى عدد من الشعراء منهم طَرَفَة، ولأنه أشهرهم راجت منسوبة إليه، وعند التمحيص في أولوية هذه الإحالات يطمئن المتأمل إلى أن كل الإحالات محل نظر عدا الإحالة إلى الشاعر العباسي صالح بن عبدالقدوس (توفي 160هـ- 776م) كما يؤكد محقق الديوان د.عبدالفتاح إسماعيل غراب الذي حنق كثيراً على أولئك المحققين غير الممحصين الذين نسبوا القصيدة إلى طرفة وغيره، ثم راح يفند مزاعمهم بالبراهين.
2. دراسة بنية النص، والقصيدة كما لا تخفى على أحد جاءت بلغة سهلة سلسة، وصور قريبة واضحة، حفظناها ونحن صغار في المرحلة المتوسطة في أزمان مضت، ومن عَرَفَ شعر طَرَفَة بن العبد أدرك أنه يكاد يستعصي على طلاب الجامعات المتخصصين مِن حيث جزالة اللغة، وعمق التصوير، وبُعد المعنى.
3. دراسة رؤية النص، والقصيدة تتضمن حِكَماً سامية، وقِيَماً راقية، وتجارب تنم عن نضج، وهذا كله غير معهود في شعر طَرَفَة الشاب الجاهلي بمثل هذا التكثيف.
هذا كله يؤكد لي ولآخرين أن القصيدة لا صلة لها بطَرَفَة ولا حتى بالعصر الجاهلي ولا الإسلامي ولا الأموي، والأرجح، بل اليقين أنها للشاعر العباسي صالح بن عبدالقدوس، فما أشبَهَه بها، وما أشبَهَها به، ونظرة عجلى على شعر صالح بن عبدالقدوس تؤكد أن القصيدة انسكبت من إنائه، ونَمَتْ في فنائه.
والله أعلى وأعلم.
** **
- د. فواز بن عبدالعزيز اللعبون