إعداد - خالد حامد:
أعلن مؤخرًا الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرج «خطوات جديدة لحماية الانتخابات الأمريكية»، تشمل حظر الإعلانات السياسية الجديدة في الأسبوع الذي يسبق يوم الانتخابات، وإرفاق تسميات بالمشاركات التي تحتوي على معلومات مضللة، وتتعلق على وجه التحديد بفيروس كورونا ومنشورات لسياسيين يعلنون النصر قبل احتساب جميع النتائج.
حتى الآن تعد تسمية «التعليق المضلل» على فيسبوك غامضة لدرجة أنها تسبب ارتباكًا إضافيًّا للناخبين. ولكن ما يبدو أنه لا جدال فيه هو مدى عمق تغلغل فيسبوك في نسيج الحياة الأمريكية.
ذكّرتني قراءة مدونة زوكربيرج حول أمن الانتخابات بسطر من مقال نشره عام 2017 الصحفي ماكس ريد. فقبل ثلاث سنوات تلقى ريد تعهدًا مماثلاً من زوكربيرج «لضمان نزاهة» الانتخابات الألمانية، وقال ريد إن الالتزام كان مثيرًا للإعجاب، ولكنه أيضًا اعتراف ضمني بقوة فيسبوك الهائلة. «إنه إعلان بأن فيسبوك له مستوى من السلطة كتنظيم ذاتي، وكيان فوق الدولة».
«يتم دمج هذه القوة في قرارات رئيسها التنفيذي، الذي له سيطرة التصويت في الشركة». هكذا وصف كريس هيوز، المؤسس المشارك لفيسبوك، قبضة زوكربيرج الحديدية على الشركة في صحيفة (نيويورك تايمز) العام الماضي.
وأضاف قائلاً: «نفوذ زوكربيرج مذهل، يتجاوز بكثير تأثير أي شخص آخر في القطاع الخاص أو في الحكومة؛ إذ يتحكم في ثلاث منصات أساسية للتواصل الاجتماعي، هي: فيسبوك، وانستجرام، وواتس آب، التي يستخدمها المليارات من الأشخاص يوميًّا حول العالم. يعمل مجلس إدارة فيسبوك مثل لجنة استشارية؛ لأن مارك يتحكم في نحو 60 % من أسهم التصويت، ويمكن أن يقرر «مارك» وحده كيفية تكوين خوارزميات فيسبوك لتحديد ما يراه الأشخاص في موجزات الأخبار الخاصة بهم، وإعدادات الخصوصية التي يمكنهم استخدامها، وحتى الرسائل التي يتم تسليمها. يضع أيضًا القواعد لكيفية التمييز بين الخطاب العنيف والتشهيري».
إذا كان وصف هيوز أعلاه يبدو مبالغًا فيه إلى حد ما فقد يكون ذلك بسبب صعوبة فهم هذا الدمج للسلطة.
قالت لي السيدة سيفا فايديانثان، أستاذة الدراسات الإعلامية في جامعة فيرجينيا: «أعتقد أننا نقلل من قوة فيسبوك باستمرار. من الصعب حقًّا على البشر أن يتخيلوا الحجم الفعلي، وتأثير هذه المنصة الإعلامية. فهناك شخص من بين كل 3 في أمريكا يستخدمون منصة فيسبوك، وهذا الأمر لا يشبه أي شيء رأيناه في تاريخ البشرية». وأضافت: «لست على ثقة بأن مارك زوكربيرغ مستعد حتى للتفكير في تأثير منصة فيسبوك، ولا أعتقد أنه سيكون بمقدوره النوم على الإطلاق إذا فكر يومًا في حجم القوة الهائلة التي يمتلكها».
قوة فيسبوك هي الآن ذاتية الاستدامة. وقد كشف فيسبوك ومنصات أخرى عن عملية سرية، تديرها وكالة أبحاث الإنترنت المدعومة من دول أجنبية لزرع الانقسام قبل الانتخابات الرئاسية من خلال إنشاء شبكة من حسابات المستخدمين والمواقع المزيفة.
هناك نوعية قاتمة من دائرة الحياة لهذه الأخبار بعد أن ساعد النمو غير المسبوق لفيسبوك وسيطرته على سوق الإعلانات الرقمية - جنبًا إلى جنب مع جوجل وغيرها - في تسريع انهيار الصحف. وأدى ذلك إلى إغلاق المطبوعات، وتسريح الصحفيين في كل مكان. كما أدت هيمنة فيسبوك الإخبارية إلى ظهور الصفحات والمواقع الإلكترونية الحزبية؛ وهو ما أدى بدوره إلى وفرة من المعلومات المضللة التي لم يتمكن فيسبوك - أو ربما غير راغب - في السيطرة عليها بشكل مناسب.
لقد جعل هذا التطبيق المجاني من فيسبوك المنصة المفضلة للتلاعب السياسي من خلال توظيف واستغلال الصحفيين المستقلين الذين شردهم انهيار صناعة الإعلام التي ساعد فيسبوك في تسريع انهيارها. في نهاية المطاف يؤكد فيسبوك للبلد التزامه بالديمقراطية، ويعزز دوره كمدافع عن انتخابات حرة ونزيهة.
موظفو فيسبوك بدؤوا يدركون أن الموقف الملتبس لمنصتهم الإعلامية لا يمكن الدفاع عنه، ويتحدثون داخليًّا ضد قيادة زوكربيرج. فقد قال أحد موظفي فيسبوك لـ BuzzFeed News بعد اجتماع الشركة ردًّا على أعمال العنف في كينوشا بولاية ويسكونسن: «يبدو أنه غير قادر حقًّا على تحمُّل المسؤولية الشخصية عن القرارات والإجراءات التي تُتخذ عبر منصة فيسبوك».
مع بقاء أقل من شهرين فقط على الانتخابات الأمريكية ينصبّ تركيز الأمة على نزاهة العملية الانتخابية. مع تهديد الرئيس بتقويض نتائج الانتخابات لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر. كما كتب زوكربيرج: «علينا جميعًا مسؤولية حماية ديمقراطيتنا». ولكن ماذا تقول واحدة من تلك المؤسسات المكلفة بحماية الديمقراطية التي هي - في حد ذاتها - ذات هيكل أشبه بالدكتاتورية؟!
** **
تشارلي وارزل كاتب رأي في «نيويورك تايمز» - عن (سولت ليك تريبيون) الأمريكية