محمد ناصر الأسمري
الحج ركن من أركان الإسلام وشعائره متوارثة منذ أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام. جعل الله البيت الحرام مثابة للناس وأمنا.
والحج محدود المكان والزمان في مسارات أداء المناسك في يوم (عرفة) وما صاحبها من المشاعر في منى والمزدلفة والحرم.
أفاء الله رحمة على من أراد الحج من آفاق الأرض، فسهل للعقول المنتجة اختراع وسائل نقل سريعة آمنة مريحة عالية السعة، فتزايدت أعداد القادمين للحج. ووفّق الله قادة بلادنا السعودية تشاركها مع قيادات من جل بلدان العالم الإسلامي لتقرير حدد نسب الحجاج وكان القرار.
لقد عملت -ولله الحمد- في مواسم حج متعددة عاملاً في المشاعر وباحثاً من خلال عملي سابقاً في وزارة المواصلات (النقل)، ومن خلال ما تراكم في البناء الفكري المعرفي والذاكرة أسجل هنا مرئيات عن السبل التي يمكن أن تسهم في تسهيل إدارة الحج تفاعلاً مع ما تم في حج هذا العام 1441هـ من نقلة مبهرة كانت مختبراً تجريبياً يمكن الاحتكام لما نتج من نجاحات وما يمكن تداركه من ملاحظات ليمكن توسيع التجربة لواقع عملي لمستقبل مواسم الحج.
لا شك أن مشروعات التعمير والإعمار في منى والمزدلفة وعرفات كانت في الغالب مسهلة وعلى الأخص الطرق المستطيلة والعرضية ذهاباً وإياباً رغم ما قد صاحب إدارة النقل/ المرور من مصاعب بسبب الإرهاق الناتج عن طول فترة المناوبات للعاملين في وسائط النقل والمديرين للحركة تقاطراً وتقاطعاً والتفافاً وفق نظريات هندسة النقل وإدارة الحشود.
لقد بات للحج لجاناً على جانب كبير من حجم المسؤولية من خلال قادة وقيادات من وزراء وأمراء كانت لهم إسهامات طيبة، لكن ولعل تعدّد الجهات الموكل إليها إدارة الحج وتشابك وتداخل مهامها، لم يساعد في تطبق مبدأ وحدة الأمر الإدارية مما قاد في أحيان إلى أخطاء تتم معالجتها بجهد وزمن مضاعف لا يخلو من الأجر إن شاء الله.
لا أريد الإسهاب، إنما أسجل ملاحظات على ضوء ما ظهر من أعمال حج هذا العام من مستجدات.
استعيد، بل استعير ما أشار إليه الزميل جمال بنون في مقاله في صحيفة الوكاد الإلكترونية الأسبوع الماضي، أنه كان من أسباب نجاح موسم الحج غياب مواكب كبار المسؤولين في الداخل ومن الخارج، وكذا إعلان وزير الحج والعمرة عدم السماح بحج أي مسؤول، فمن ينتدب للعمل في الحج عليه أن يتفرّغ لأداء مهام عمله وإن أراد الحج فلموسم قادم بعيداً عن مجال عمله.
• ضبط مسارات الطرق بتباعد معقول أدى إلى انسيابية سهّلت في أداء الشعائر من عرفات إلى المشعر الحرام في المزدلفة ثم منى. وربما أيضاً في مسارات المشاة التي كانت معضلة كبرى في مواسم الحج أماناً وأمنياً حين تتداخل المركبات مع المشاة.
كذلك تجربة التباعد في الطواف والسعي الذي أدير بصرامة كبيرة سيكون لهذه التجربة حظ واسع في البحث العلمي وفق ما يتم التوصل إليه من نتائج.
• كان من أهم مشاكل الحج توافد أعداد كبيرة جداً من العمالة الموجودة في مدن الحج في الطائف وجدة يوم التروية وعرفة دون ترخيص من أي جهة فهؤلاء يفترشون الممرات وتحت الجسور ويلوثون الأرض بمخلفات بشرية ووسخات بإلقاء الأطعمة والمشروبات وغيرها من القمائم التي تشكل معضلة صحية وأمنية.
• لا أنسى ما كان من لإسهام أظنه بحسن نية وإن كان ضاراً، ألا وهو كثرة الشاحنات والبردات للأطعمة والأشربة التي توزع مجاناً من الجالبين لها في المشاعر كلها وفي الحرم ولعل المطالبة بتطوير هذا الحال إلى أفضل من خلال استخدام تقنية التعليب والتعقيم كما تفعل الجيوش مع آلاف الجند في تحركاتهم وفق قواعد الإمداد والتموين.
• شكراً للعقول المبدعة من بنات وأبناء الوطن من مختلف المنابت والأصول الذين أسهموا في تطويع التقنية بسرعة وفعالية نافعة فقد أفرحني ما تم من تجميع حصوات رمي الجمار وتقديمها معقمة في أكياس نظيفة وفر هذا العمل الوقت والجهد والنظافة للحاج في البحث عن الحصوات.
• لعل مؤسسة السكة الحديد تطور من استخدامات المونوريل (خط أحادي الخط) في الطرق الطولية والعرضية ليكون بديلاً لحافلات النقل الترددي التي كثير منها قد مضى على صنعها واستخدامها أكثر من عشر سنوات وتشغل حيزاً كبيراً. ولم يعد للنقابة العامة للسيارات التي مضى عليها أكثر من ثمانين عاماً فاعلية لا في التنظيم ولا في الإدارة، بل وانعدام المرجعية لها لا في النقل ولا اللجان.
• بقي أن أشير إلى أن تنوّع وتباين الأعداد البشرية من مختلف أقطار العالم وثقافاتهم ولغاتهم لا يكفى وضع لوحات الدعاية المعلّقة Billboard لكن يمكن للسفارات السعودية الطلب للدول التي يفد منها أكبر أعداد من الحجاج أن تستفيد من تجارب إندونيسيا وماليزيا في بناء مجسمات للمشاعر والحرم للتدريب على أداء النسك لحجاجها، فهذا تدريب على رأس العمل.
• ويمكن أن أطلب من وزارة الإعلام إنتاج برامج تسجيلية توثيقة عن رحلة الحج.