أ.د.عثمان بن صالح العامر
من مسلماتنا العقدية أن هذه الحياة الدنيا دار ابتلاء وامتحان للعباد، يعقبها بعث ونشور ثم جنة أو نار، ولذا كان الشر -الذي هو مخلوق له سبحانه، ولكنه في ذات الوقت ليس محبوباً لله ولا مرضي عنه- في هذه الدار التي نحن فيها أحياء. وأشد الشرور على الإنسان الممحتن وجود (إبليس) الذي طلب من الرب سبحانه حين أوقع عليه عقابه أن يبقيه حتى البعث {قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}، ومن أقوى أسلحة إبليس التي يوظفها في احتناك بني آدم واغوائهم (شياطين الإنس والجن ) الذين يزينون طرق الضلال، ويمهدون سبل الانحراف أمام الغر ذكراً كان أو أنثى حتى يسقط في براثن الفساد ثم يتخلون عنه كما سيتخلى إبليس عن أتباعه في النار {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ترى هذا رأي العين في حال شريحة من الشباب والفتيات الذين أغرتهم منظمات عالمية فرفعوا عقريتهم على بلادهم، وأعلنوا التمرد على قيمهم الدينية، ومبادئهم الوطنية، وانسخلوا من ذواتهم بالكلية، تدغدغهم شعارات الحرية المزعومة، والحقوق المنشودة. رسموا لهم شياطين الإنس والجن حياة وردية تنتظرهم في بلاد الغرب، وما عليهم إلا أن يملكوا الشجاعة ليقولوا كلاماً جارحاً في الدين أو القادة أو العلماء أو الوطن أو الشعب، بعدها ستنفتح في وجوهم مغاليق السياسة وتبعاً لها الاقتصاد، وسيمنحون حق اللجوء السياسي للوصول إلى الفردوس الأرضي المنشود مهما كان حالهم ووضعهم وثقافتهم وشهاداتهم وأرصدتهم البنكية.
غابوا عن الأنظار سنة أو يزيد وإذ بهم في الشوارع مع الهوملس مشردين ضائعين مفقودين، بلا هوية، ولا دين، ولا وطن، ولا أهل، فضلاً عن المسكن، والمأكل، والمشرب. وفي هذا الظرف الجهنمي الصعب قال لهم شياطن الإنس كما سيقول إبليس لأتباعه حين دخولهم النار والعياذ بالله.
بعيداً عما دار في مواقع التواصل الاجتماعي من كون مقاطع الفيديو التي شاعت وانتشرت قبل أيام عن من هذه حالهم -نسأل الله العافية والسلامة- رسائل موجهة ذات حمولة سلبية، يراد منها التقليل من شأن ما تقدمه بلادنا المعطاء المملكة العربية السعودية لرعاياها وقاطنيها في الداخل والخارج، أو أنها الحقيقة كاملة صادف انتشارها هذا الظرف العالمي المعروف. بعيداً عن هذا القول أو ذاك، ودون الدخول في التفاصيل، أقول جازماً إن الشيء المقطوع به أن حال هؤلاء الذين باعوا ذواتهم للشياطين إنسهم قبل جنهم مثل ما شاع وأسوء، فهذه الدول لم تستطع أن تفي مع مواطنيها الأصليين حين لم تكن معهم أموال كافيه تغطي التأمين الصحي في مواجهتهم فيروس كورونا فكيف بالدخلاء الذين هم عبء على فاتورة الإنفاق الحكومي بلا مبرر. ولذلك لزاماً على كل عاقل من شبابنا وفتياتنا أن يقرأ المشهد بكل تفاصيله، ويعرف قدر النعمة التي هو فيها، فمما من الله به علينا جميعاً أن جعلنا مسلمين، نشهد أن (لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)، وعلى منهج السلف الصالح، ومن هذه الديار المباركة الخيرة، أشرف بقاع الدنيا قاطبة المملكة العربية السعودية، وتحت حكم قادة يحمون جناب التوحيد ويدافعون عنه، وينزلوا العلماء الربانيين منزلة عالية، ويمنحوا المواطن والمقيم والزائر حقوقهم التي شرعها الرب لهم كاملة غير منقوصة، ويدافعون ويساعدون المسلمين في كل مكان، ويشاركون بفاعلية وشفافية عالية كل ما من شأنه مساعدة الإنسان أياً كان. نعم واجب عليه أن يقرأ ويتفكر في كل هذا وغيره كثير ثم يحمد الله ويشكره صباح مساء أنه يعيش بين أهله وفي وطنه وتحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) والسعيد من اتعظ بغيره. حفظ الله قادتنا، وحمى بلادنا، ونصر جندنا، وأذل أعداءنا، وأدام عزّنا، ورزقنا شكر نِعَمه، وأبقى لحمتنا ووحدتنا والتفافنا حول أمرائنا وعلمائنا، ووقانا جميعاً شر من به شر، وحقق أمانينا في رفع الوباء ودفع البلاء وزوال الغمة، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.