يتناول كتاب الدكتور خالد عبدالكريم البكر الأراجيز الأندلسية بشكل عام والعلمية والتاريخية بشكل أكثر تحديداً وتفحصاً، وجاء في المقدمة: ظهرت أراجيز علمية كوسيلة لنشر المعرفة وتيسير تناولها.. نظمها العلماء، وشرحها الشراح، وحفظها المتعلمون وأقبل عليها الجميع إذ لم تستثن لوناً من ألوان العلم إلا ولها فيه نصيب فنالت من الذيوع والانتشار ما فاقت به أمهات الكتب والمصادر، ولا أدل على ذلك من أرجوزة الشاطبي في القرارات، أو ألفية ابن مالك في النحو، والاثنان كلاهما من الأندلس.
وتحت عنوان ظهور الأرجوزة التاريخية في الأندلس يقول المؤلف: استعمل الأندلسيون الأرجوزة في الأغراض التعليمية فتناولوا بواسطتها موضوعات علمية متنوعة، فقد اشتهر ابن عثمان الأصم بنظم الأراجيز، وفي الطب نظم سعيد بن عبدربه أرجوزة وصف فيها الأسقام وأنواع الحمية، ونوه فيها بفضل علم الطب فقال:
لما رأيت الطب علماً نافعاً
للدين والدنيا جميعاً جامعاً
رجزته بالوزن والنظام
وصنته بجوهر الكلام
ومضى آخرون منهم على هذا النسق فظهرت أراجيز أندلسية في شتى أنواع العلوم والمعارف لاسيما في العلوم الشرعية وعلوم اللغة.
ولم يكن التدوين التاريخي وحفظ الأخبار بمعزل عن مثل هذه المنظومات التعليمية فقد امتزج التاريخ بالنظم منذ فترة مبكرة في الأندلس بل لعل التدوين التاريخي من أقدم العلوم استفادة من المنظومات التعليمية في تلك البلاد، وأن تلك التواريخ المنظومة قدمت شعراً أصيلاً أقرب إلى الشعر التاريخي منه إلى الملاحم.
وعن القيمة التوثيقية قال المؤلف: على الرغم من كون ناظمي الأراجيز التاريخية أدباء شعراء بالدرجة الأولى لا مؤرخين محترفين إلا أن تلك الأراجيز قد حظيت باعتناء ملحوظ من قبل مؤرخي الأندلس المتقدمين بل واستفادتهم مما جاء في بعض جوانبها لاسيما في تلك الفترة المتقدمة من تاريخ الأندلس والتي استغرقت طوال القرنين الثاني والثالث الهجريين.
وفي خاتمة الكتاب قال المؤلف إن الأراجيز شكلت لوناً من ألوان التدوين التاريخي وتناولت جوانب مهمة من التاريخ الأندلسي، وتجلت أهميتها في كونها سبقت المدونات التاريخية في توثيق حوادث من التاريخ المحلي، كما سبقت مثيلاتها من الأراجيز الشرقية في التدوين التاريخي بصفة عامة.
وتبين أيضاً أن الأراجيز التاريخية الأندلسية نحت منحى محلياً في أول أمرها ثم تمايزت موضوعاتها فعكس بعضها صدى التيارات الفكرية الشائعة في البلاد بينما اتجه بعضها الآخر إلى تدوين أخبار الجيش فجاءت موضوعاتها بمثابة وثيقة مهمة عن تاريخ الأندلس في تلك الفترة.
وعلى الرغم من ريادة الأندلس في مجال الأرجوزة التاريخية إلا أنها لم تحظ بمثل ما حظيت به أراجيز الأندلسيين في الفقه والنحو والقراءات والتي شرقت وغربت لدى الأوساط العلمية من أبناء العالم الإسلامي وتلك مشكلة ناتجة عن قلة العناية بالكتابة التاريخية أكثر من كونها مشكلة تتعلق بالمادة التاريخية.