عثمان أبوبكر مالي
عاد مجددًا خلال هذه الأيام في بعض الأوساط الرياضية الحديث عن جزء من تاريخ الرياضة السعودية، وتحديدًا بطولات كرة القدم التي حققتها الأندية الرياضية، الكبيرة منها والصغيرة، وعن أعدادها وأسمائها.. وعاد التشكيك بقوة في البطولات واستحقاقها، أعدادها ورسميتها وأسمائها وتصنيفها، بطريقة تعيد إلى الذاكرة الضجة التي حدثت قبل سنوات بعد مرئيات (شلة) أو لجنة التوثيق، التي تم إلغاؤها بقرار (رسمي)، ورُفضت نتائجها جملة وتفصيلاً؛ فأصبحت كأن لم تكن.
ومرة أخرى يأخذ الحديث في كثير منه المنحى نفسه في الابتذال، واختلاط الحابل بالنابل، وكأنه كلام عن أمر عارض، أو قرار وقتي، أو مرحلة معايشة، أو كأنه نقاش و(وجهة نظر)، تطرح بلا تردد أو احترام للعقول الواعية والفاهمة والمعاصرة. والتاريخ لم يكن يومًا ولن يكون إطلاقًا وجهة نظر. والتاريخ لا يكتبه غير المتخصصين.. والبطولات ليست (لعبة) في أيدي المتعصبين!
التاريخ معلومات مجمعة، وحقائق مسجلة، وتتبُّع لسوابق وأحداث لمعاصرين، تُدعم بوثائق مكتوبة، وهو ليس مجرد (رصد) أو نقل على طريقة الحكواتيين (قالوا وقلنا)، ولا هو قصاصات صحفية (مؤرشفة)، وإنما لا بد أن يضاف إلى كل ذلك ويعززه (انضباط) أكاديمي، يؤهل لسرد وتحليل، يعتمدان على حقائق الماضي، وتتبُّع السوابق، ومنهج بحث، يقود بثقافة ووعي للسياق التاريخي الممهنج. وما لم يحدث ذلك فلن يقبل ولا يعتد عاقل ومثقف وواع بما يطرحه كثير من (المتفيقهين)، ومَن يتحدثون بشكل إنشائي، ويحاولون تصدُّر المشهد برفع الصوت، وعلى طريقة (الحراج)!
إن الطرح المتداول حاليًا، الذي يأتي كثير منه بابتذال وصراخ وأسلوب (سمك لبن تمر هندي) من الواجب إنهاؤه بشكل علمي، وعمل مقنع ومنصف، وأخذ خطوة مقبولة عند الأندية، وعند كل الموثوقين والعارفين بالتاريخ الرياضي، وهي مسؤولية وزارة الرياضة -من وجهة نظري-، وليس الاتحاد السعودي لكرة القدم (كما يرى البعض)، وستكون خطوة تاريخية إن تصدت لها وزارتنا الشابة وفق (منهج تاريخي)، يسجل لها لا تعجز عنه.
كلام مشفر
«تأكيد وتثبيت البطولات الرياضية وأسمائها (رسميًّا) من واجب وزارة الرياضة؛ فالحديث عن تاريخ عمره يزيد على تسعين عامًا لا يملك ولن يستطيع أن يتصدى له اتحاد عمره أربع سنوات فقط، وتبقى له في المشهد من عامان وربما أقل؛ ولن تكون لديه لا الجرأة ولا القرار ولا الوقت ولا حتى القبول.
«من المعيب أن يكون لدينا أسماء كبيرة وشخصيات ترأست وتقلدت المناصب الرياضية العليا، وأسهمت في صناعة التاريخ والحركة الرياضية، وتبقى (صامتة)، ويتصدى للحديث والتنظير والتصنيف في التاريخ الرياضي إداريون أو إعلاميون أو مشجعون، كل تاريخهم أنهم ينتمون لهذا النادي أو ذاك، ويفضلون هذا اللون أو ذاك.
«التصدي المطلوب من قِبل وزارة الرياضة، الذي أقترحه، فكرته تقوم على أن تكتب الأندية بطولاتها بنفسها، وبشكل (مؤطر)، وآلية خاصة ومعتمدة من (وزارة الرياضة)، وتحت (مظلة) لجنة محددة، يكون فيها عضو من كل نادٍ من الأندية الكبيرة (يسميه النادي نفسه)، ويرأسها وكيل الوزارة للعلاقات العامة والإعلام، وترتبط مباشرة بسمو الوزير.
«يكون مهمة اللجنة وضع (تصنيف) للبطولات التي لعبت في المملكة العربية السعودية منذ انطلاقة الأنشطة الرياضية، (يُتفق) عليه سابقًا، وتحديد أسمائها (المؤكدة) والمسلَّم بها سلفًا وفق (اللوائح) الصادرة في حينها، ومن ثم على ضوء ذلك يقدم كل نادٍ (قائمة) بطولاته.
«قائمة البطولات في هذه الحالة ستأتي (ممنهجة وموثقة)، والأمر سيكون (دقيقًا) وسريعًا؛ إذ إن الأندية الكبيرة سهّلت المهمة بشكل (علمي) بعد أن أصبح في معظمها (لجنة توثيق) معتمدة خاص بها، وإن كان من الضروري إعادة (اعتماد) تلك اللجان حتى تنطبق عليها الشروط (العلمية والعملية).
«وفي النهاية يمكن أن يكون هناك (لجنة مراجعة) عليا ونهائية برئاسة سمو الوزير، تتكون من الأسماء والشخصيات الرياضية التاريخية التي لا تزال تعيش بيننا - أطال الله أعمارهم - ممن عملوا سابقًا في الوزارة (الرئاسة العامة لرعاية الشباب)، والاتحاد السعودي لكرة القدم في سنواته الأولى.
«لجنة المراجعة العليا والنهائية يمكن إسنادها إلى بعض الأسماء والشخصيات الرياضية التي أفنت شبابها وعمرها العملي في أروقة الرياضة واتحادات كرة القدم، من أمثال الدكتور صالح بن ناصر، والأستاذ عبدالرحمن الدهام، وغيرهما، إضافة إلى (الاستعانة) بمؤسسي وكتّاب تاريخ الرياضة السعودية (المحدودين) ممن لهم حضور وباع طويلان في التأليف الرياضي.