صبحي شبانة
تناقضات صارخة في المفاهيم تصدمك من بعض أدعياء التحليل السياسي حينما يتعلَّق الأمر، أو يتصل بما يخالف أهواءهم، الوطنية لديهم رداء يخلعونه وفق مصالحهم، تبعاً لمن يغدق عليهم، قلة في محيطنا العربي والإقليمي ممن يعيشون في وهم الحقبة الأردوغانية، ممن يظنون أن تركيا لديها ما تعطيه لهم، رغم أن الواقع يؤكد أن الخراب والدمار وإثارة الفتن بين المكونات المذهبية والاثنيات العرقية حلَّت ما وطأت قدما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
المتتبع لمحاولات تركيا التغوّل في إفريقيا يلحظ دون عناء تناقضاً صارخاً بين المعلن والخفي، بين الشعارات والممارسات، بين ما يقطعه أردوغان من وعود، وبين ما تقوم به أجهزته الأمنية على الأرض، ليس جديداً أن تركيا لم تخف اهتمامها منذ سنوات بالقرن الإفريقي خصوصاً بعد سقوط الإخوان في مصر، وهذا يعني أن وراء الأكمة ما وراءها، فماذا يعني أن تقوم تركيا بتمويل طريق يربط شمال إثيوبيا بجيبوتي إلا سعيها لموطئ قدم قرب مضيق باب المندب الذي تمر منه أكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنوياً تمثِّل 7 % من حركة الملاحة البحرية العالمية، ونحو 60 % من النفط العالمي، ويمثِّل مضيق باب المندب أهمية بالغة لمصر، 98 % من البضائع والسفن الداخلة إلى قناة السويس تأتيها من باب المندب الذي يربط قارتي آسيا وإفريقيا.
كثير من التناقضات والريبة تلحظها في علاقات تركيا بإثيوبيا، ففي الوقت الذي تعكس فيه أنقرة انسجاماً ظاهراً، تعلن الحكومة الإثيوبية مؤخراً إحباط أكبر وأخطر عملية تهريب أسلحة قادمة من تركيا إلى الأراضي الإثيوبية، حيث أكد جهاز الاستخبارات والأمن الوطني في إثيوبيا قبل أيام ضبط معدّات مخبأة وسط أجهزة إلكترونية عبر شبكات تهريب دولية من خلال حاويتين تم شحنهما في ميناء مرسين التركي إلى ميناء جيبوتي، حيث تم تسريبها إلى الأراضي الإثيوبية، بحسب البيان الصادر عن جهاز المخابرات الإثيوبي، تم ضبط حوالي 501 صندوق سلاح، تحتوي على أكثر من 18 ألف مسدس تركي الصنع، تقدَّر قيمتها بأكثر من نصف مليار دولار. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة لمن توجه هذه الأسلحة؟ إذا كان صحيحاً أن علاقات تركيا بإثيوبيا في أحسن حال؟ هل هذه الأسلحة لتمويل جماعات إرهابية قريبة من تركيا داخل الأراضي الإثيوبية تتحيَّن الفرصة للتموضع في إثيوبيا ومناطق أو دول حال توجيه الأوامر لها من أنقرة؟ أم لتوظيفها في نزاعات قبلية داخلية تساعد أردوغان في إحكام قبضته على أديس أبابا؟ تظل الأسئلة مطروحة تبحث عن إجابات في ظل تحركات تركية مشبوهة داخل بعض دول القرن الإفريقي.