تعدُّ زيارة الطلاب في مختلف المراحل التعليمية للمواقع الأثرية المنتشرة في مناطق المملكة أحد العوامل المهمة في مجال التوعية بأهمية التراث، وتعزيز المواطنة بربط الطلاب ببلادهم وتاريخها. حيث يمثل الاطلاع المباشر على المواقع الأثرية دافعًا كبيرًا لمعايشة هذه المواقع واستشعار أهميتها بدلاً من الاطلاع عليها في الكتب فقط.
وقد أكد عدد من الطلاب من مختلف المراحل التعليمية الذين شاركوا في زيارات نظمتها مدارس وجامعات لمواقع أثرية أن المشاهدة الواقعية أبلغ تأثيرًا من مجرد الاطلاع على هذه المواقع في الكتب، لافتين إلى أثر هذه الزيارات في زيادة الرصيد المعرفي والارتباط العاطفي بهذه المواقع.
وفي هذا المجال يؤكد الدكتور سعيد السعيد الأستاذ في كلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود أن الحفاظ على التراث يتطلب إيجاد وعي مجتمعي بأهمية التراث والحفاظ عليه وتطوير.
ويرى أن تحقيق ذلك يتطلب تحفيز الاهتمام بالتراث العمراني، من خلال التأكيد على أن التراث امتداد وأساس للتطور المستقبلي، وأنه قلعة تشمل العمران بجميع جوانبه، ومن المهم وجود تراث عمراني له أبعاد وطنية واجتماعية.
ويقول المدير التنفيذي لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري عبد الرحمن الجساس: «قبل سنوات قليلة كان الحديث عن المواقع التراثية ودور المتاحف في الاهتمام بإبراز الموروث لا يمثل أهمية كبيرة لمجتمعنا المحلي، خاصة لمن هم في عمر الشباب، وهم نسبة كبيرة من المجتمع السعودي كما هو معروف، ولكن ومن خلال الدور الذي أداه برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري، فقد تغير الوضع كثيراً بالنسبة للعناية بجميع مكونات التراث في كل مناطق المملكة، حيث وجد هذا البرنامج دعمًا كبيرًا وواسعًا من قيادتنا، وحدث ما يمكن تسميته شبه النقلة الكبيرة في واقع الحرص على هذا الكنز العظيم المتمثل فيما نملك من آثار ومواقع تراث حضاري تاريخي، تستحق هذه العناية والرعاية على مستوى جميع مناطق المملكة.
واعتبر الدكتور عبد الناصر الزهراني أستاذ ترميم الآثار والتراث في جامعة الملك سعود أن التراث ثروة حضارية وثقافية تراكمت عبر القرون، وتتميز بأنها ذات تجارب إنسانية ثرية ومتنوعة، مؤكدًا أن التراث يمثل هوية الشعوب والأمم، ومن هذا المفهوم كان لا بد من التمسك بأصالته وعراقته والمحافظة عليه، لأن علاقة الإنسان بالتراث علاقة عضوية تمثل هويته وجذوره الثقافية.
وأضاف الزهراني: «يتميز التراث السعودي بأنه تراث عريق متنوع تنوعًا يضيف أصالة وعمقًا تاريخيًا له، فتجد هناك التراث المعماري والعمراني والثقافي، حسب المناطق المختلفة في المملكة».
وترى أستاذة الآثار الدكتورة غادة فهمي وجود إهمال بالتوعية بالآثار خاصة من الطلاب في المرحلة الجامعية، علماً بأن بعض الطلاب يقوم بعمل مشروع تخرج عن موقع أثري، ولكن بمجرد أن يتخرج من الجامعة يضعه في الدرج، ولا يكلف نفسه تسويق هذا المشروع.
وأكدت أهمية تعريف النشء بأهمية المواقع الأثرية والمتاحف، بشرط أن تكون هذه المناهج دون اختبارات، وتقدم هذه المناهج بطرق مبتكرة تكون محببة لدى الطلاب.
واقترحت عمل برامج توعوية وإنشاء مواقع على الإنترنت تكون مخصصة للآثار والمتاحف، إضافة إلى فتح أقسام أو كليات في الجامعات خاصة بالآثار، وعمل مسابقات للرسم وتصوير المواقع الأثرية للطلاب في جميع المراحل لربطهم بهذه المواقع.
ويقول صالح الغانم أحد أولياء الأمور إن هناك فجوة في ترسيخ الهوية الوطنية لدى الطلاب، سببها عدم وجود برامج تساعد على ذلك، ويظهر ذلك في كثير من ممارساتهم السيئة، مثل عدم المحافظة على المرافق العامة والمواقع الأثرية. وشدد على أن دور وزارة التعليم ضعيف في هذا المجال، وعليها تنظيم رحلات للمواقع الأثرية، ووضع برامج ضمن المناهج لغرس هذه المفاهيم والقيم في نفوس الطلاب من الصغر.
وأشار عبدالله الغامدي مدير إحدى المدارس في الدمام إلى وجود قصور كبير من طلاب المدارس بثقافة المتاحف والآثار، ويتمنى من الجهة المعنية بأخذ زمام المبادرة والتنسيق مع المدارس لتنظيم رحلات مجدولة من المدارس إلى المتاحف والمواقع الأثرية، كما تفعل شركة أرامكو السعودية التي تبادر بالاتصال بالمدارس وتحديد موعد محدد لزيارة معرضها.