سلمان بن محمد العُمري
هناك فرق بين الطيب والسذاجة، والصراحة والبجاحة، والكبريا والكبر، وهذه أمثلة يسيرة على أحوال كثيرة من مشكلة خلط المفاهيم بقصد أو بغير قصد من الفاعل أو المتلقي أو كلا الاثنين على حد سواء؛ فلم تعي عقول البعض لفهمها مما يسبب الفجوات والمشاكل بين الناس، والأدهى والأمر حينما يكون صاحب الخلق والعقل السيئ يرى أنه على حق وأن الآخرين هم المخطئون ويؤول لنفسه الأفعال والأقوال السيئة فيرى البخيل أن عمله من باب الاقتصاد، والنمام يرى أنه ناصح، والمنافق يرى أنه مجامل، والظالم يرى أنه متبع للحق، والوقح يرى أنه صريح؛ وهلم جرى من الأمثلة.
وقديماً قيل إن البعير لا يرى سنامه، وآخر مماثل الجمل لايرى أعوجاج رقبته، وهذا حال البعض تراه قد جمع صفات عديدة من السلبيات ولكنه لا يرى سوى الآخرين، ولربما علم ما في نفسه من صفات سلبية ولكنه مصر على حاله لأنه لا يهتم بالآخرين أساساً وذلك من فرط أنانيته وسلبيته، وهذا مناف لكمال الإيمان وحسن الخلق، فالكمال أن يسعى الإنسان لبلوغ هذه الدرجة حينما يحب لأخيه ما يحب لنفسه فلا يظلم ولا يحسد ولا يتمنى زوال النعمة عن الغير، ولا يتعدى على الحقوق والدين المعاملة، وكل سلوك إنساني تقارنه النية الخالصة. فهو دين، وكل إنسان مسلم يبتغي ما عند الله عز وجل بفعل الواجبات وترك المحرمات والتقرب إلى الله بالنوافل، والبعد عما يسخط الله عز وجل ومنها ظلم العباد قولاً وعملاً، وعلى الإنسان العاقل أن يحدد غايته ويخلص نيته ويرسم طريقه في الحياة ويمضي في سبيله لا يلوي على شيء، حتى ينتهي عهده بهذه الحياة، ليبدأ في الآخرة حياة أسمى وأزكى، ولا يوفق لهذا القلب السليم والمنهج المستقيم إلا أصحاب العقيدة الصافية والإيمان الصادق، وأصحاب المبادئ الفاضلة، ومن كان خلاف ذلك وإن صام وصلى وحج وتزكى فإن لم يحسن معاملة الناس ولم يحفظ حقوقهم فقد كان ضحية أهوائه الدنيئة ونفسه الضعيفة الأمارة بالسوء، ومن لم يمنعه صيامه وصلاته والتزامه عن كف أذاه عن الناس ففي استقامته ودينه خلل لأن الله عز وجل يقول: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ، والعبادات وخاصة الواجبات هي حجاب ضد الشهوات وحاجز لصدها فضلاً على أن تعاليم الإسلام كافة وما فيها من الفرائض والنوافل تضفي على المسلم طريقاً مستقيماً تجعله يسير في المسار الصحيح نافعاً لنفسه ولمجتمعه، وإن لم ينفع الناس فلن يضرهم فمن الخير كف الأذى، والإحسان فضل وكف الأذى حق وواجب.
إن الدين الإسلامي وتعاليمه وما فيها كلها تسير في نهج الفطرة المستقيمة لا المعوجة، والميسرة لا المعسرة، ومن وفقه الله عز وجل ورزقه النية الطيبة والإخلاص والدوام على التقرب إلى الله عز وجل سينال درجة عالية رفيعة من الأجر والثواب، وليكسب محبة الخالق وقلوب الخلق، وهذه الدرجة لا تنال سوى بالتقوى فهي درجة عليا يملكها ويحصل عليها أهل الإيمان والإخلاص الصادقين في أقوالهم وأفعالهم ممن أحبهم الله وأعانهم على ذكره وشكره كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها».