يكاد كل شخص؛ سواءً كان كاتباً أم قارئاً؛ أم لا هذا ولا ذاك؛ أن يتساءل: ما هو مصير الصحافة الورقية بعد الانفجار التكنولوجي الحديث؟
من الواضح أن المطبوعات الورقية لم تعد مطلوبة في السوق العالمية، فبالإمكان الاطلاع على القديم منها والحديث؛ وبشكل يومي؛ من خلال الحاسوب الشخصي أو أجهزة التواصل الاجتماعي دون عوائق. وأصبحت المطبوعات لا تساوي ثمن طباعتها!
قد يثير هذا التطور حزناً عميقاً لدى البعض، وخاصة العاملين في هذا المجال، ولكن هذا التطور هو في صالح المتلقي والكاتب في نهاية المطاف! فقد أتاحت التكنولوجيا الحديثة للمتلقي أن يطلع على الناتج الثقافي العالمي تاريخياً وجغرافياً وهو في بيته. ولم تعد هناك تابوهات تمنعه من الاطلاع على كل شيء.
أما الكاتب؛ فقد تحول مجبوراً من كاتب محلي إلى عالمي. ولم يعد متاحاً له أن يكتب ما يشاء ومتى يشاء، دون الاتساق مع الأحداث العالمية المتسارعة وملاحقتها «فكرياً وأدبياً». وإن فعل ذلك؛ فسيفقد متابعيه وتصبح المساحة المتاحة له وكأنها فارغة.
تغير الكاتب والمتلقي قد حصل وسيستمر لا محالة في ظل التطور التكنولوجي المتسارع. وقد يتقن المتابع للمطبوعات أكثر من لغة؛ وذلك ما يمكنه من الاطلاع أكثر. ولكن حتى هذه الميزة لم يعد لها ذات الجدوى السابقة، بوجود الترجمات اللحظية في الشبكة العنكبوتية. ولا يعزى تراجع الطلب في سوق المطبوعات لتلك الأسباب التي ذكرناها فقط؟
الحقيقة المرّة التي لا يريد أحد ذكرها في العالم أجمع: هي أن الطلب على المطبوعات كان شديداً في السابق لعدم وجود بديل! وبالتالي كان الكاتب يقدم للمتلقي ما يراه هو مطلوباً. أي أن الكاتب يفرض نفسه على المتلقي فرضاً، ولم يكن الكاتب خاضعاً لمتطلبات المتلقي أو ما يسمى «بمتطلبات السوق». وبعد الانفجار التكنولوجي واتساع مساحة كشف الحقيقة؛ تحولت المطبوعات- كما الفضائيات- للاعتماد على ممول يفرض عليها ما تنشره.
ما يحز في النفس أن بعض المطبوعات المبدئية، التي رفضت الانحياز لممول ما، توقفت عن الصدور- كما حصل لصحيفة السفير اللبنانية. والجدير بالذكر في هذا المجال، أن صحيفة السفير كانت من الصحف الأكثر مبيعاً في العالم العربي، بالرغم من القيود الموضوعة عليها وارتفاع ثمنها ثم توقفت، فما بالك بالصحف والمطبوعات الصفراء؟
التوقف عن الصدور لا يمكن تحاشيه إلا بمواكبة التطور الحاصل. ولا أقصد هنا صدور المطبوعات وحسب، إنما ستتوقف المراكز الإعلامية ذاتها، حتى لو اعتمدت الإصدار الإلكتروني.
مواكبة التطور تتضمن الآتي: أولاً- لا مفر من الاعتراف بالتغير الحاصل. ثانياً- أن تكون البوصلة الموجِّهة للصحيفة؛ هي حاجة السوق أو «المتلقي»، الذي يعيش اليوم متجاوزاً الجغرافيا، في أمواج متلاطمة من الإرهاب والحروب. ثالثاً- فتح مساحة لمختلف وجهات النظر، ضمن «محاور» مثبتة مسبقاً، كـ «المشهد الثقافي السعودي» مثلاً، الذي اقترحه الأستاذ محمد الهلال منذ فترة، محاولاً إنشاء ندوة لهذا الغرض تضم أسماء لامعة، ولكن النتيجة ستكون أكثر عطاءً، لو كانت هذه الندوة على صفحات عدّة أعداد من المجلة الثقافية لجريدة الجزيرة. والحديث يطول.
** **
- عادل العلي