للمسرح وهجه وجاذبيته الخاصة، ولذا فلا غرابة أن نجد أبرز أساطير هوليوود، أمثال الراحل مارلون براندون يحرص وهو في قمة شهرته أن يقدم على مسارح برودواي مسرحيته الشهيرة «عربة تجرها الرغبة». وعلى نفس المنوال قد سار مجايلوه ومن تلاه أمثال ريتشارد برتون وأنتوني هوبكنز، وفي الجارة الكويت كان للدور الذي لعبه زكي طليمات وسعد أردش في تأسيس معهد للفنون المسرحية والاهتمام بالعمل المسرحي الدور الكبير فيما نراه اليوم من تفوق الدراما الكويتية على مستوى الجارات الخليجيات. وهو الأمر الذي يشير لأهمية المسرح خاصة التجريبي منه في إحداث حراك فني جدي يسهم في تجويد الذائقة الجماهيرية ويرقي الحس الجمالي لدى جمهور المتلقين، مما يسهم في تهذيب النفس الإنسانية والإسهام في رقيها السلوكي الأخلاقي.
ولو تأملنا الداخل السعودي، سنجد أنه مرحليا قد أعلنت وزارة الثقافة عن تعيين سلطان البازعي رئيساً تنفيذياً لهيئة لمسرح والفنون الأدائية، أي أن هناك توجهاً مركزياً للاهتمام بأبي الفنون وهذا الأمر مما يُسْعِدْ.
ولكي تكون لدينا وجودية مسرحية فارهة تسهم في تحقيق رقي ثقافي نوعي، فنحن بحاجة لمعهد للفنون المسرحية يسهم في تمهير ممثلي الداخل الوطني ويعمل على تدريبهم على مختلف التخصصات التي تشكل بنية العمل المسرحي. كما ينبغي أن يشجع الكتاب السعوديون على الاهتمام بالكتابة المسرحية، فهي جنس أدبي له قيمته عالميا ويحظى باهتمام المثقف الغربي والأوروبي كذلك.
إلى جانب أنه علينا أن نغير الكثير من فهمنا فيما يتعلق بالمسرح. فخشبته لم تؤسَسْ في البدء لكي تكون حكراً على الأعمال الكوميدية فقط، وإنما هي تمثل الوجود الواقعي والفعلي للدراما على اختلاف أنواعياتها انطلاقاً من التراجيدي وانتهاء بالميلودراما، وحتى تلك الأعمال الكوميدية التي تقدم على خشبته ينظر لها عالميا بأنه لابد أن تُضَمَّنْ رسائل بعينها سواء أكانت تثقيفية أم تربوية أم حتى وعظية. أي أنه لا توجد علاقة جدية بين المسرح كفن راقي وعمليات الإضحاك والتهريج تلك التي أصبحت سمة سائدة للعديد من الأعمال المسرحية التي قدمت خلال العقود الأربعة الماضية على العديد من المسارح العربية. ودليلنا على ذلك إننا لوعدنا بالذاكرة للخلف كثيراً وتناولنا جمهورية مصر أنموذجاً، سنجد بأنه حتى الراحل علي الكسار قد كان في أعماله المسرحية الكوميدية يحرص على تضمينها العديد من الرسائل الاجتماعية والسياسية الهادفة.
وكسعوديين فنحن قادرون مستقبلاً على أن نعيد التأسيس لحركة مسرحية يشار إليها عربيا بالبنان. فلئن استطاع جيل الرواد - ومنهم الراحلان محمد العلي وبكر الشدي- التأسيس لمسرح سعودي جاد عكسته مسرحية «تحت الكراسي»، رغم وجود العديد من الصعوبات والعوائق الاجتماعية والثيولوجية آنذاك، فيقيني بأننا الآن قادرون بوجود هذه الإمكانات والوعي والانفتاح من تحقيق المعادلة.
** **
- د. حسن مشهور