السلوك ليس شيئاً ثابتاً ولكنه يتغير حيث إنه عملية مستمرة تحدث كل يوم، فالسلوك يمرض كما يمرض الجسد وقد يغيب ذلك عن أذهاننا.
أتعجب من اهتمامنا بالظواهر المرضية لأجساد أبنائنا ولا نهتم إذا لاحظنا بعض السلوكيات، رغم أن مرض السلوك أشد وقعًا من مرض الجسد.
وحينما قرأت قول الله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)
استوقفتني تلك الوصايا العظيمة التي تحمل في طياتها معاني الشفاء لكل سلوك معلول، مما تولد في ذهني كثيرًا من التساؤلات ؟!
قد تكون أهمها:
ماهية تلك العلاقة بين لقمان الحكيم وابنه؟؟
هل تعد التربية القائمة على القمع والتخويف وقتل المشاعر من الأساليب التي استخدمها لقمان الحكيم؟
هل عبارات يا فاشل يا غبي وغيرها لغة المخاطبة بين لقمان وابنه؟
هل اقتصر لقمان الحكيم في تربيته على الرعاية الجسدية من توفير المأكل والملبس.....وترك التربية الروحية؟
هل ربط ما بين السلوك والتربية؟؟
دعنا نتأمل سوياً مادار بين لقمان الحكيم وابنه.
(وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُه).
المخاطبة والنصيحة بالعطف واللين، استخدم مخاطبة البنوة وهذا أسلوب الأنبياء عليهم السلام.
استخدم التربية بالموعظة وهي لون من ألوان التربية الإسلامية.
لم يكن في أسلوبه الإهانة ولا التوبيخ.
(يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم)
الاقتناع بالتفكير والدفاع عن التصور والاعتزاز به في توحيد الله تعالى ويعد هذا المسلك سمة من سمات التربية المبنية على الإقناع.
كما تبعها بر الوالدين والاتباع والانتماء للحق وأهله.
(يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَل...)
مراقبة الله في الأقوال والأفعال وهذه ركيزة أساسية من ركائز التربية الصالحة ففيه تهذيب للنفس وتعديل للسلوك، إذ إن الإنسان إذا فقد الخوف من الله ومراقبته تجرد من إنسانيته فكان مجرمًا في حياته.
(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ)
.تربية روحية تزيد الصلة بالله وتؤكد العبودية له جلا وعلا.
(وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَك.....)
وهذه تعني مخالطة الناس والصبر على أذاهم والتعايش معهم في ظل سماحة ووسطية الإسلام لا تشدد أو غلو.
(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا.....)
العزة والتواضع وهذه قاعدة توازن بين كل جوانب الحياة لتنشىء الفرد يعيش متواضعًا في حياته من غير مذلة وعزيزًا فيها من غير كبر.
(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِك.....)
الاعتدال في المشي والحركة وفي المحادثة وصور لنا آداب الحوار.
المتأمل لتلك الوصايا النابعة من قناعة وصدق مبنية على تجربة ومعرفة اشتملت على أصول التربية القويمة، يجد فيها شفاء كافيا لكل سلوك معتل ورسالة لكل مرب وتهذيبًا لكل مترب.