تشهد الجامعات السعودية تحولاً كبيرًا بعد أن اعتمد مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - نظام الجامعات الجديد في عام 2019م الذي يعطي الجامعات فرصة للاستقلالية. ولا شك أن مرحلة التحوُّل هذه سيصحبها تحديات عدة. وقدّم الكاتب محمد بن عبدالله الخازم، مؤلف كتاب «جامعة 2030: رؤية في تحول الجامعات السعودية»، الصادر في عام 2018م، تصوُّره لمرحلة التحول، المبنية على تجاربه الواسعة في التعليم العالي.
يُعد المؤلف من أبرز الكُتاب الأكاديميين السعوديين؛ فله العديد من المقالات والمؤلفات التي تناقش قضايا التعليم العالي، كما حصل على جائزة وزارة الثقافة السعودية لأفضل مؤلف في مجال التعليم للعام 2012م عن كتابه اختراق البرج العاجي.
يُعد الكتاب من المصادر القليلة المتوافرة التي تناولت موضوع تحول الجامعات بشمولية وموضوعية. ومما تجدر الإشارة له أن الكتاب صدر قبل عام من اعتماد نظام الجامعات الجديد.
ويناقش الكتاب جاهزية الجامعات السعودية للسير نحو الاستقلالية عبر تقديم رؤية عميقة لإعادة تأسيس سياسات ومفاهيم الجامعات السعودية، التنظيمية والفكرية والاقتصادية والأكاديمية؛ لتحقيق رؤية 2030. كما تطرق للتحديات المرتقبة لمرحلة التحوُّل، ووضع الحلول الممكنة.
وتتناول مقدمة الكتاب أبرز التحديات التي يواجهها التعليم العالي في الفترة الحالية. ويحتوي الكتاب على 11 فصلاً:
النموذج الاقتصادي، الحوكمة والمحاسبية، الكوادر البشرية، النموذج الأكاديمي، تقنيات التعليم والمعلوماتية، البيئة الفكرية والهوية، مؤسسات المجتمع المدني الجامعية، المسؤولية المجتمعية للجامعات، الجامعة والتعاون الدولي، الخدمات الطبية الجامعية والتعليم الجامعي الأهلي.
ويتميز الكتاب بجرأة الطرح؛ إذ يناقش كل فصل نقاط الضعف الحاصلة في التعليم العالي بواقعية، ويحلل أسباب ذلك، مستندا إلى الشواهد من الإحصائيات والأدلة. وإضافة إلى تحديد نقاط الضعف في التعليم العالي يركز الكتاب على تلك التحديات متوقعة الحدوث خلال مرحلة تحوُّل الجامعات السعودية. ولعل من أبرز ما يميِّز الكتاب - من وجهة نظري كقارئة - هو الاقتراحات العملية التي يقدمها كل فصل لمواجهة تحديات التحول، والمبنية على خبرة المؤلف الأكاديمية والإدارية في قطاعات عدة، ودول أجنبية عدة، إضافة للاستعانة بتجارب الجامعات العالمية؛ وهو ما يجعل من الكتاب مرجعًا عمليًّا مهمًّا للجامعات السعودية لتخطي الصعاب في مرحلة التحول.
فعلى سبيل المثال اقترح المؤلف في فصل (الكوادر البشرية) تعيين أعضاء هيئة التدريس وفق نظام الفئات (tracks) المعمول به في الجامعات الأمريكية لحل مشكلة ضعف الإنتاج البحثي لأعضاء هيئة التدريس؛ إذ يُصنَّف أعضاء هيئة التدريس إلى ثلاث فئات: عضو هيئة تدريس (مسار البحث العلمي)، عضو هيئة تدريس (مسار التعليم أو التدريس) وعضو هيئة تدريس (مسار الممارسة المهنية)؛ فيبدع كلٌّ في مساره (الباحث في أبحاثه، والأستاذ في التدريس، والممارس المهني في التدريب)؛ وبالتالي ستتم الاستفادة من كل عضو هيئة تدريس في مجاله.
أيضًا تطرق المؤلف لبعض القرارات السابقة التي كان لها أثرها السلبي في تطوير التعليم الجامعي، منها ما ورد في فصل (الجامعة والتعاون الدولي) حول التأخر في افتتاح فروع جامعات أجنبية، ومحدودية الشراكات البحثية والتعليمية الدولية.
ويشدِّد المؤلف على ضرورة وضع الجامعات خطة استراتيجية لاستقطاب الجامعات العالمية لفتح فروع لها في المملكة العربية السعودية.
وفي سياق التعاون الدولي ذاته ناقش المؤلف في فصل (النموذج الأكاديمي) إشكالية جودة البرامج الأكاديمية الناتجة من الشراكات الدولية، ومن ذلك شراء مناهج أجنبية دون معرفة آلية تطبيقها.
لكن لا بد من الإشادة هنا بنجاح بعض تجارب الجامعات السعودية في مجال الشراكات الدولية، كحصول بعض برامج الجامعات على اعتمادات برامجية من جهات دولية. فعلى سبيل المثال حصلت ما يقارب 23 جامعة سعودية بفروعها على الاعتماد البرامجي في مجالات الهندسة والتكنولوجيا من مجلس Abet الأمريكي، وفقًا لآخر إحصائية للمجلس الصادرة في 1 أكتوبر 2019م.
وتشير مجمل المواضيع التي تطرق لها المؤلف في كتابه إلى أنه ما زالت الجامعات السعودية أمام تحديات كبيرة، قد تثير قلق منسوبي الجامعات؛ لذا على الجامعات أن ترسم خارطتها في التحوُّل من خلال الاستعانة بأصحاب الخبرة في التعليم العالي والقطاعات الاقتصادية والتقنية والمؤسسات المجتمعية.
وإضافة إلى شفافية النقاش والتحليل التي تميز بها الكتاب يتضمن الكتاب إجابات عن بعض الاستفسارات التي قد ترد إلى ذهن الأكاديمي، مثل الفروقات بين نظام الخدمة المدنية ونظام العمل، والفروقات بين التعليم الجامعي العام والتعليم الجامعي المهني، والتصنيف العالمي للجامعات، ومفهوم التعليم العابر للحدود.
وبالرغم من أن الكتاب يسلط الضوء على موضوع متشعب في 199 صفحة إلا أن أسلوب الكتابة تميَّز بالوضوح، والبُعد عن المصطلحات المعقدة. وإضافة لذلك يتخلل الكتاب جداول وأشكال توضيحية، تلخص بعض الحقائق الإحصائية، وتصوِّر المفاهيم الأساسية المقترحة بشكل مبسط؛ ليسهل على القارئ فهمها.
نرى أن موضوع تحوُّل الجامعات بحاجة إلى المزيد من البحث والدراسة، ونتطلع إلى صدور مؤلَّفات مشابهة، تناقش الواقع والمأمول في مراحل التحول الجامعي.
** **
- عميدة الدراسات الجامعية (التعاون الدولي) بجامعة الطائف ** أستاذ مشارك في اللغويات التطبيقية