كتاب «ديمقراطية السذج» تأليف عالم الاجتماع الفرنسي جيرالد برونير يعد من أبرز الكتب في علم الاجتماع وعلوم الاتصال.. وقد أحسن الدكتور المنجي محمد القردلي عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود حين قام بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية ليضيف للمكتبة العربية كتابًا مهمًا في مجاله وتخصصه.
الكتاب جاء في 230 صفحة من الحجم الكبير، وصدر مؤخراً عن دار جامعة الملك سعود للنشر.
وفي تقديم الكتاب يقول الدكتور نايف بن ثنيان آل سعود إن ترجمة هذا الكتاب تمثل نافذة مهمة ومفيدة للتواصل مع الإنتاج المعرفي القائم على تحقيقات ومتابعات معمقة ودقيقة في الأوساط الأكاديمية الغربية، ولذلك ستكون لهذه الترجمة فوائد جمة تعود على المتخصصين العرب في مثل هذه الموضوعات وخاصة أن العرب يعدون اليوم من أكثر الأمم تفاعلاً مع وسائل التواصل الحديثة سلبًا أو إيجابًا.
ويقول الدكتور المنجي: يكتسب موضوع الكتاب أهميته من أهمية الشبكة العنكبوتية التي تعد إحدى أهم مجالات سوسيولوجييا الإعلام والاتصال، وأكثرها خصوبة وتعقيداً.
وتعد الإنترنت في هذا الكتاب أداة للديمقراطية الجامحة والمنفلتة التي تضخم الظواهر على اختلاف أنواعها، ويضرب أمثلة عديدة على ذلك من واقع أحداث وقعت في العالم خلال العقدين الماضيين مثل مروجي ما سمي بأسطورة أو مؤامرة 11 من سبتمبر الذين يستندون إلى ما يقرب من مئة حجة مختلفة لدعم فكرة المؤامرة، ولكنهم يفرطون في استغلال حق الشك هذا مما يزرع البلبلة في العقول على حساب الثقة التي لا مندوحة عنها للحياة الاجتماعية.. وهو لا يكتفي بتناول الانعكاسات الخطيرة لهذه الظاهرة الاتصالية على المستويات السياسية والإعلامية فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى تقديم تحليل استدلالي عميق حول مخاطر الإنترنت على المعرفة.. ويستعمل ذكاءه وحنكته في الاستدلال على كيفية تفكيك الأسطورة الرقمية متسائلاً عن سر انتشار نظرية المؤامرة وكيفية تصديق الأحداث المفبركة المنشورة على صفحات الويب إلى درجة أن أغلبها يؤثر في القرارات السياسية.. فهذه الديمقراطية الإعلامية القائمة على حرية تبادل الآراء والأفكار وتداولها عبر الإنترنت بغض الطرف عن مدى صحتها، إنما هي ديمقراطية ساذجة برأي المؤلف، كما يعد منتجيها ومتداوليها سذجاً تبعاً لذلك، إضافة إلى تمثيلها فضاءات للانتقام من السلطة القائمة.
والكتاب يكشف مدى تعرض الديمقراطية نفسها للخطر والزلل والحاجة إلى الدفاع عنها بعودة الوعي.. ويقدم المؤلف حلولاً من شأنها ضمان الانتقال من ديمقراطية السذج إلى ديمقراطية المعرفة باستخدام أدوات أخرى تؤازر مجال التعليم، وتبني النقد المنهجي، فروح النقد إذا ما مورست دون منهج تؤدي بسهولة إلى السذاجة، إذ للشك فضائل الكشف عن مجريات الأمور وهو أمر صحيح لكن يمكن أيضاً أن يؤدي بنا بدلاً من التحرر العقلي إلى السقوط في العدمية المعرفية. كما أن الحق في الشك تلك النقطة التي انطلق منها برونير في كتابه يشمل تأدية واجبات من ضمنها واجب الالتزام بالمنهج وجعله في الصدارة.
ويخلص الكتاب إلى ضرورة رفع مستوى الوعي المعرفي في كليات الإعلام والاتصال، وذلك لتطوير ردود الأفعال الحذرة لدى الإعلاميين والاتصاليين وبناء فرضيات منهجية بديلة في النقد والحث على المزيد من التدريب والممارسة لإتقان المهنة ووضع نظام للعقوبات تجاه الممارسات الخطأ من أجل تجنب التجاوزات التي تنتهك بها أخلاقيات المهنة.
ويقول جيرالد برونير: سوق المعرفة بمنزلة صورة تسمح بإعادة تمثيل الفضاء الوهمي الذي تنشر فيه المنتجات التي تزود رؤيتنا إلى العالم عبر افتراضات ومعتقدات ومعلومات.. وهذا السوق سيكون محبذاً أكثر من سوق الإعلام لأن المعلومة يمكن أن تكون أيضاً في شكل عنوان مطعم أو رقم هاتف شخص ما في حين أن المنتج المعرفي يعطيك افتراضات وينظم المعلومات في شكل خطاب صريح أو ضمني حول ما هو صحيح أو ما هو خير ويمكن لهذه المنتجات المعرفية أن تتنافس فيما بينها.