وما المال والأهلون إلا ودائع
ولا بد يومًا أن ترد الودائع
يمرُّ بالكثير من بني البشر أيام وأعوام، يستمتع فيها الواحد بين والديه وأسرته ومحبيه، مغتبطًا بصحته، يصول ويجول في حياته، تحدوه الآمال في تحقيق ما تصبو إليه نفسه من متع الحياة وأطايبها، فإذا بهاذم اللذات مفرق الأحباب ينتزعه على عجل من بين أهله. وهذه الحال تذكرنا برحيل العقيد محمد بن إبراهيم بن محمد أباعود، الذي انتقل إلى رحمة الله بعد أدائه صلاة يوم الجمعة 8-7-1440هـ مباشرة بمدينة الرياض إثر حادث اصطدم بحواجز خرسانية ففارق الحياة على أثرها. خاتمة حسنة؛ إذ كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله - رحمه الله -. وقد وقع نبأ هذا الحادث المؤلم على قلب والده وأسرته عمومًا، كان الله في عونهم وعون محبيه. توفي عن عمر يقارب الخمسين عامًا، وكانت ولادته بـ»ملهم» البلد العريقة منذ القدم، بلد العلماء الأفاضل ورجال الدولة الموصوفين بالكرم وإكرام الضيف. وقد طبعت أسرة آل أباعود على الكرم وحسن الضيافة، وعلى قوة التآلف والترابط الأسري. وقديمًا قيل الكرماء هم من سادات الدنيا.. ولقد أحسن القائل:
ثناء الفتى يبقى ويفنى ثراؤه
فلا تكتسب بالمال شيئًا سوى الذكر
فقد أبلت الأيام كعبًا وحاتمًا
وذكرهما غض جديد إلى الحشر
وكنت ألبي دعواتهم في مناسباتهم المتكررة بمنازلهم في (ملهم)، وأرى العقيد محمد أبا إبراهيم في طليعة المرحبين بنا وبضيوفهم. ولا غرابة في ذلك؛ فقد كان لطيف المعشر، كريم السجايا، بارًّا بوالديه، وواصلاً رحمه، ومخلصًا في أداء عمله، محبوبًا لدى المسؤولين وزملائه - تغمده المولى بواسع رحمته -. ولقد درس وأجاد في مراحله الدراسية حتى تخرج من كلية الملك فهد الأمنية بتفوق، ثم عمل بمدينة ساجر بأعالي نجد فترة من الزمن، وكان محل تقدير واحترام لدى أهالي تلك البلاد.. ثم انتقل إلى المنطقة الشرقية، وعمل في مكتب أمير المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير المحبوب محمد بن فهد بن عبدالعزيز، وكان محبوبًا لديه ومحل تقديره، كما استفاد من توجيهات وإيماءات هادفة ذات أهمية في تكوين شخصية الإنسان، ودرئها من الزلل والأخطاء، يقتات منها في حياته، وفي قابل أيامه، ولقد أجاد القائل:
عليك بأرباب الصدور فمن غدا
مضافًا لأرباب الصدور تصدر
كما استفاد من المربي الفاضل عبدالله بن محمد أباعود خال والده إبراهيم المسؤول عن تعليم البنات بالمنطقة الشرقية آنذاك من أساليب تربوية، ودراية بأحوال العامة والخاصة، التي لا يستغني عنها الرجل القيادي أمثاله - رحمه الله -؛ فهي كالمصابيح التي تضيء دروب الحياة. بعد ذلك انتقل إلى مدينة الرياض، واستمر في عمله المشرف على رتبة عقيد حتى غاب عن الوجود حميدة أيامه ولياليه. ومما أثار شجوني وأحزاني أثناء حضوري من حريملاء إلى ملهم لأداء الصلاة عليه، وتعزيتهم بعد المجيء به من الرياض، قبل إيداعه في باطن الأرض، مشاهدتي والده المفجوع من شدة هوله في فقد حبيبه ووحيده من الأبناء، وهو على الكرسي لم يتمالك الوقوف، مكررًا ذكر الله: «لا إله إلا الله»، ألا بذكر الله تطمئن القلوب، وكأن لسان حال الجميع يذكره بمعنى هذا البيت محاولين تهدئته من تأثره الشديد بغياب فلذة كبده:
فلا تبكين في أثر شيء ندامة
إذا نزعته من يديك النوازع
كان الله في عونه وعون أسرته، منزلاً السكينة عليهم وعلى محبيهم.. تغمده المولى بواسع رحمته، وألهم والده ووالدته الحنون، وشقيقاته، وابنه إبراهيم وبناته، وعقيلته، وجميع أسرته آل أباعود, ومحبيه.. الصبر والسلوان.
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء