د. جاسر الحربش
التجريف العقلي والأخلاقي الذي يتعرَّض له المجتمع في التويتر والفيسبوك والسناب تشات صار له مساعد عالي الهمة في القنوات السعودية الفضائية المحلية والمهاجرة.
السبب هو غياب الأدلة الكافية على اهتمام الرقابة الإعلامية والثقافية بما تسمح به أو تمنعه في قنواتنا الفضائية. لا أشك في وجود نصوص تؤكد على أولويات وزارتي الإعلام والثقافة في التركيز على الأهداف التالية : أولاً الترفيه الجامع بين الاستمتاع بالإضحاك الساخر داخل النقد الاجتماعي والمؤسساتي الخالي من التهريج والابتذال، وثانياً : الاستضافات الملهمة لشخصيات نموذجية ناجحة من الجنسين ذات تأثير إيجابي في متلازمات الأخلاق والفكر والنجاح، وثالثاً : الحرص على الحوارات التاريخية العميقة لربط المشاهد بأرضه ومجتمعه وأسلافه، ورابعاً : اختيار الأفلام والمسرحيات التلفزيونية بحرص فكري ومسؤولية أخلاقية.
السؤال هو : هل يوجد تطبيقات مقنعة فيما يبث على الفضائيات السعودية لهذه الأهداف الإعلامية والثقافية؟
التركيز في تكرار التهريج من أجل التهريج على فضائياتنا المحلية والمهاجرة يسهل العثور عليه بالتجوال السريع بين القنوات ومقارنتها بالأجنبية، ولكن ليس العربية حيث لا فرق بين شهاب الدين وأخيه.
كاتب الرأي في صحيفة الجزيرة الزميل محمد بن عبد الله آل عبد اللطيف تعرض لذلك بصدق في مقال زاويته يوم الثلاثاء 14 - 5 - 2019م تحت عنوان : التهريج من أجل التهريج، وكتب التالي باقتباس مختصر : عندما يغيب الفن الجيد يحضر التهريج والابتذال في اختيار المواضيع وبرمجة الناس إعلامياً على هذه القوالب التهريجية.
الدعم المالي في الفضائيات يخدم هذه القولبة وتقديم المسكوت عنه كخصوصيات فردية نادرة على أنه سمات اجتماعية، وذلك نموذج واضح على التهريج والابتذال. (انتهى)
العثور على كل هذه التوصيفات التي أوردها الزميل محمد يسهل العثور عليها بشكل يومي في البرامج المسماة ترفيهية على قنواتنا الفضائية.
ماذا عن البرامج المخصصة لمقابلة الشخصيات الاعتبارية، هل هي تختار أصحاب الإثراء الفكري والإنجازات والتجارب الناضجة، أم أنها تفضل ممثلات الإغراء النسويات وتحدي المفاهيم المتفق عليها لتماسك الأسر والأفراد؟ والأسوأ من ذلك اختيار ذوي السوابق الإرهابية في الفكر والعمل، وتقديم الملاحيس والمهاويس كمحسوبين على التجديد الفكري بسبب تسويق الإعلام الخليجي الهابط لهم لنسف الرموز التاريخية التي بدونها يصبح المجتمع عارياً لا ماضي له.
عندما يستضاف صحوي متكسب، أو إرهابي عتيد يقبع في السجن، أو معارض ثابت العلاقة التمويلية بالأجندة القطرية، أو دونكيشوتي مهووس بأفكاره البوهيمية بعدما صدق أنه فيلسوف ومفكر عظيم يحمل على عاتقه تصحيح التاريخ العربي والإسلامي بكامله، ليتبرع بوصفه استعماراً وعاراً وتوحشاً، عندئذ ماذا يكون التوصيف المناسب لهذه الاختيارات الثقافية والترفيهية في فضائياتنا السعودية؟
لا أستطيع تحديد سبب هذا الهزال الفضائي بدقة، هل يعود إلى ضحالة مختاري ومقدمي البرامج الترفيهية والحوارية، أم أن وراء ذلك هدف خفي لا تعلم به السلطات المسؤولة لتمييع الجدية في أجيالنا الجديدة، ولكن هذا ما لا أعتقده.
الأرجح أن السبب هو ضحالة من سلمتهم وزارتا الإعلام والثقافة الدكاكين بالضبة والمفتاح. أحد أدلة الهزال الواضحة تقديم برنامج كامل عن ذوات الأربع أرجل والقرون وثغاء البهائم.
يا فضائياتنا لم تقومي بإزعاجنا فقط بل وأخجلتمونا أمام المشاهدين في الخارج.