الفنان الذي يمارس فنه بكل إخلاص يؤلمه الفن كثيراً، يرهقه ويوجعه، يسرق من حياته أجزاء مهمة ولحظات كانت لتكون ربما أقل هما وأكثر جدوى، لكنه يشعر بأن العمل الذي يقوم به يمنحه لذة لا يمكن أن يشعر بها في أي مكان آخر، ولا تستطيع الكلمات أن تعبر عنها ليصل هذا الشعور للآخرين الذين قد يراه بعضهم مجنوناً أو مضيعاً للوقت والمال.
يقوم الفنان الإنسان بالعمل الذي يشعره بفرحة تنبع من داخل الجهد والألم، هو يشعر بأن شيئا بداخله يجب أن يخرج للعالم، وبأن هذا الشيء لا يخرج إلا بتلك الطريقة الصعبة، فيتلذذ بخروج فنه المستحيل إلى فضاء الممكن، ولن يبقى شيئاً وقتها سوى دهشة المتلقي.
برغم ذلك، أعتقد أن الفنان صاحب الموهبة الفطرية، كسول بالفطرة أيضاً، فهو لا يبذل الجهد الذي قد يبذله سواه في أمور حياته، لكنه بطريقته الكسولة يبث ما يكفي من النشاط والطاقة في فنه ليصل إلى المتلقي بأبهى صورة. لربما كان الإبداع في إيجاز العمل الفني واختصاره وقدرته على إيصال رسائل كبرى من خلال أعمال صغيرة، لم يكن لها مبعث سوى أنها فكرة وقعت في يد كسول. يقول الكسول الكبير مارك توين أن السرير أخطر مكان في العالم. إن شاركته الرأي في ذلك فليس بسبب الموت، لكن بسبب الأفكار التي تظهر وتنفذ على السرير من باب الرغبة في عدم مفارقته.
** **
- فهد الشهري