د. أحمد الفراج
تساءلت في المقال الماضي عمَّا إن كانت العقوبات الأمريكية على إيران ستنجح في كبح جماح هذا النظام الطائفي التوسعي؟ فالرئيس ترمب يبدو مصمماً على حصار إيران، وإذا كان متوقعاً أن يكون لخصوم أمريكا التقليديين رأي آخر في مسألة فرض الحصار على إيران، مثل روسيا والصين، فإن ما يستعصي على الفهم هو مناكفة دولة بحجم قطر، بل وتحديها للدولة العظمى، وللرئيس الذي تهز كلمة منه أركان الكرة الأرضية، فعندما تم تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، سارعت قطر إلى شجب ذلك، وسط صمت مطبق من ترمب وأركان إدارته من عتاة الصقور الجمهوريين، ولا يمكن لمن يفهم أبجديات التحليل السياسي أن يزعم أن دولة مثل قطر، يمكن أن تجرؤ على الوقوف في وجه قرار إستراتيجي يتعلَّق بالأمن الوطني الأمريكي، فهل هذا كل ما فعلته قطر؟!
يوم أمس، صرَّح وزير خارجية قطر بأن دولته ترفض تمديد العقوبات على إيران، أي أن الدولة، التي تحتل قاعدة العديد الأمريكية الضخمة نصف مساحتها، تتحدى أعتى قوى الأرض، وهذا أمر غير منطقي، ويستحيل تصديقه، وبالتالي فإننا لا بد أن نبحث عن القوى الخفيَّة، التي تمنح قطر هذه القوة المزعومة، والتفسير الوحيد هو أن الدولة العميقة في أمريكا، أو دولة المؤسسات الصلبة، التي تشمل البنتاقون (وزارة الدفاع)، ووزارة الخارجية، والمؤسسات الأمنية والاستخباراتية، وعلى رأسها وكالة المخابرات المركزية (CIA)، تدعم قطر، التي كرّست نفسها مركزاً لتمرير كل مخططات الشرق الأوسط، وذلك منذ أن انقلب حمد بن خليفة على والده، قبل أكثر من عشرين عاماً، وهو الانقلاب، الذي تمت مباركته غربياً، تمهيداً لما سيحصل لاحقاً في منطقتنا المنكوبة.
إذاً نستطيع القول إن قطر تتكئ في مناكفتها لإدارة ترمب على دعم المؤسسات الأمريكية الصلبة، التي ترتبط معها بعلاقات وثيقة منذ أكثر من عقدين، ولعلي أذكركم بثورات الربيع العربي، ونشاطات تنظيم القاعدة، التي كانت تغطيها قناة الجزيرة، والمقابلات الحصرية مع زعماء التنظيم، التي كان الجن يحملونها إلى إستديوهات القناة، دون أن تعلم أجهزة الاستخبارات الغربية عن ذلك! وترمب يعلم أن الدخول في صراع مع الدولة العميقة سيضر مستقبله السياسي، وبالتالي يتحاشى ذلك حتى الآن، لكن الواقع يقول إنه لا يمكن أن ينسحب من الاتفاق النووي، ويعلن الحصار على إيران، ثم يسمح لدولة بحجم قطر أن تفسد كل جهوده، وتعمل على تقويض سياساته، فهل يا ترى سيواصل ترمب استسلامه لقطر، أم أن لصبره حدوداً، ويكون له كلمة ضد عبث قطر، وداعميها في واشنطن دي سي. ننتظر ونرى.