تكتبُ أحلام مستغانمي نصًا شعريًا بعنوان «لفرط ما كتبتني»، ويرتكز النص مع ما يمكن تسميته بالثنائية الضدية، التي تعبّر عن شعور عميق من النفس الشاعرة، وتأسس المعنى على حقيقة التشظي الفاعل على المشاعر والعواطف والقائم على الندم والتذكر والمعبّر عن الخطيئة والتكفير. والمتأمل في جماليات النص يرى الثنائية متشكلة في ثنائية الحب والموت، مستترة خلف أحرف القصيدة وفوق أسقف الكلمات وعلى جدران البنايات، كقصيدة تكتب ثم تمحى، وربيع يزهر ثم يفضي إلى خريف، بين الأمل والوجع، والحب والانتقام، عن رمزية تقوم على الحياة بجزئياتها من السعادة إلى الموت. تبدأ القصيدة بالكتابة وهي بداية الحب والحياة «كتبتني/ باليد التي أزهرت في ربيعك»، ثم تنتهي بالموت، العطاء الذي أدى إلى النهاية «بما أعطيتني فقتلتي/ بما شئت به قتلي/ فمتُّ به!».
البدايات مليئة بالوهج والقبلات وبياض الثلج وبها تنحو نحو الحياة الأبدية التي تضمن العشق والالتئام، وتسير هذه الحياة في جسد القصيدة لتخلق من كل عضو فيها فرحة للأيام الجميلة، بوهج الصعاب التي لا تنتهي. والنهايات تسبق البدايات لتضع كل قسوة حجر عثرة، لتقلب الربيع إلى صيف، واللّين إلى قسوة، والسعادة إلى وحشة، والصبر إلى نفاد.
مفتاح القصيدة يتجلى في «كتبتني» الذي يتهادى متسارعًا كما لو كان سيلاً عابثًا في أديم البساتين، تتصل الكلمة في الفضاء الشعري بباءات متكررة تصل الأول بالآخر والذات بالعاشق، «كتبتني.. بمقصلة صمتك/ بالدّموع الْمُنهمِرة على قرميد بيتك/ بأزهار الانتظار التي ذَوَت في بستان صبري/ بمعول شكوكك.. بمنجل غيرتك/ بالسنابل التي تناثرت حبّاتها في زوابع خلافاتنا/ بأوراق الورد التي تطايرت من مزهرياتنا/ بشراسة القُبَل التي تفضُّ اشتباكاتنا». وهذا المفتاح يحكم بناء القصيدة، وكأن نفس الإبداع لا تنقطع لتتسق في نفثة واحدة، لتعبّر عن وجع وحزن، لترسم كتاب حياة خلق بين عاشقين، في تاريخٍ كان حياةً ثم موتًا. معجم الحب يستوعب كل الأشياء الجميلة التي تعبّر عن إخلاص من قبل الذات فهي «اللهفة، والشوق، والطمأنينة، والورد، والأبجدية»، ومعجم الموت الذي يعبّر عن الآخر عن كل قبيح، ويكاد أن يكون مغيّبًا فالذي كتب أحرف الحب من العاشقة وأضاع الأحرف المتبقية في خطاطة العذاب والنكاية والنهاية» الثقل، الوحشة، النهب، الشكوك».
تستثمر أحلام مستغانمي الصورة الشعرية عبر الثنائية المتناظرة بالاتساع والقبض، «بِمَا أخذتَ.. بِمَا لم تأخُذ/ بِمَا تركتَ لي من عمرٍ لأخذه/ بِمَا وهبتَ.. بما نهبتَ/ بِمَا نسيتَ.. بِمَا لم أنس». وهي تنتصر رغم الحسرة، وتسعد رغم القلق، لتذهب إلى أبعد من ذلك أن الإخلاص لا يموت رغم الانتحار، وأن الحياة لا تنتهي رغم الأسى، وأن الذين أخذوا قيم الحب وذهبوا بالذكريات مالوا إلى الضياع.
من هنا تخيط الروح المستغانمية رياض القصيدة بين ثنائية الحب حقيقة العشق بكل تفاصيلها اللاحقة، وبحقلها الشاعري المتصل بالنضارة، من البداية ومفتاحها إلى مرتكزها الإبداعي، وبين ثنائية الموت المتصلة بالهشاشة، والمشدودة حول روح العاشق الانتقامي المتوحش القاتل. مخرج: هل أرادت مستغانمي -فلسفيًا- أن تؤكد في قصيدتها أن المرأة أكثر عشقًا وحبًا، وأن الرجل أكثر حيلةً وذنبًا؟ هذا للقارئ.
** **
- د. خالد الجميحي