* أنا إمام لأحد المساجد في الجزائر، وأقوم بصلاة الجنازة في المقبرة، أي أنني أصلي على الميت داخل المقبرة، وقد أنكر علي هذا الفعل بعض الإخوة وقالوا لي: إن صلاة الجنازة داخل المقبرة لا تجوز، فهل هذا صحيح؟
- الصلاة على الميت الأصل فيها أن تُصلى في المصلى الخاص بالجنائز، وأيضًا يُصلى عليه في المسجد، وقد ثبت مِن فعله - عليه الصلاة والسلام- أنه صلى على ابني بيضاء في المسجد خلافًا لمن كره ذلك، والصلاةُ على الميت في المقبرة جائزة أيضًا بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلَّى على القبر، فإذا ثبتت صلاة الجنازة على القبر صارت مستثناة من النهي عن الصلاة في المقبرة «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها» [مسلم: 972]، فتكون صلاة الجنازة مخصوصة من عموم هذا الخبر، بدليل أنه - عليه الصلاة والسلام- صلى على الميت وهو في قبره، فدل على أن صلاة الجنازة مستثناة ولا إشكال فيها.
والسائل يقول: إنه إمام لأحد المساجد ويقوم بصلاة الجنازة في المقبرة، كأنهم لا يصلون على الجنازة في المسجد وإنما يصلون عليها في المقبرة، لكن كونه إمامًا فالأصل أن يصلي في مسجده، فالإمام يصلي بجماعته ثم بعد ذلك لو قُدَّمت الجنازة بين يديه صلى عليها في المسجد، وإن جُعِلت في مصلى الجنائز كما هو معمول به في السابق فلا شك أن هذا متفق على جوازه وعدم كراهته، بخلاف الصلاة في المسجد فإنه كرهها بعض أهل العلم؛ خشية أن يَخرج من الميت شيء يلوّث المسجد، ومع ذلك النبي - عليه الصلاة والسلام- صلى على ابني بيضاء في المسجد، وصُلِّي على أبي بكر - رضي الله عنه- في المسجد، وصلي على عمر - رضي الله عنه- في المسجد، فالصلاة على الميت في المسجد لا إشكال فيها، والصلاة عليه في مصلى الجنائز كذلك، وصلاة الجنازة في المقبرة جائزة بدليل أن النبي - عليه الصلاة والسلام- صلى على القبر، ففيه دليل على أن النهي عن الصلاة في المقابر لا يتناول صلاة الجنازة.
* * *
* هل يؤمر الصبي الذي لم يُميِّز وينبَّه على خطئه في المأكل والمشرب، ونحوها من الآداب؟
- الصبي الذي لا يُميِّز ولا يفهم الكلام بحيث يمتثل ما يُؤمر به حقيقةً أمره شبه عبث؛ لأنه لو امتثل وفهم الكلام صار مميزًا، لكن إذا كان يَفهم بعض الشيء دون بعض، فمثل هذا يُلاحظ فيما يَفهم ولا يُشق عليه بما لا يفهم، بحيث يُكلَّف ما لا يطيق.
المقصود أنه إذا ميَّز وفهم السؤال ورد الجواب وامتثل ما يُؤمر به ويُنهى عنه، هذا مميز، وأما قبل التمييز فإن تكليفه بمثل هذا فيه مشقة عليه وعلى غيره دون جدوى، لكن إذا ميَّز ويكفي أن يُعتنى بالطفل من التمييز، ولذلك لا يؤمر بالصلاة قبل سبع سنين، مع أن أهل العلم يختلفون في سن التمييز، فالمحدِّثُون يجعلون الحد الفاصل لصحة رواية الصبي من خمس سنين، فإذا بلغ الخمس جعلوه مميزًا وتصح روايته، ومنهم من يقول: قبل ذلك، ومنهم من يقول بالسبع. المقصود أن المعوَّل في ذلك على حديث محمود بن الربيع -رضي الله عنه- حين عقل المَجَّة من النبي - عليه الصلاة والسلام- وهي في (صحيح البخاري) [77] وهو ابن خمس سنين، ولكن التمييز العام لجميع الأطفال في الغالب هو السبع؛ ولذلك أمر النبي - عليه الصلاة والسلام- أن يُؤمر الصبي بالصلاة وهو ابن سبع سنين ويُضرب عليها لعشر، وأما قبل ذلك فهو تكليف عليه ومشقة عليه وعلى أهله، فلا يُؤمر حتى يبلغ هذا السن، أو على الأقل يَفهم إذا وُجِّه، ويأتمر إذا أُمِر، وينتهي إذا نُهي، أما قبل ذلك فأمره ونهيه عبث ما لم يُقدِم على شيء يضره، فلا يُقدِم على شيء يضره ويُترَك ويُقال: هو لم يُميَّز! لا، إنما يُكفُّ ويُحجز عمَّا يضره ولو لم يُميِّز.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم- للصبي: «سمِّ الله وكُلْ بيمينك وكُلْ ممّا يليك» [البخاري: 5376] هذا دليل على أنه يَفهم؛ لأنه خاطبه بعبارات لا يفهمها إلا مميز.
* * *
* سائلة تقول: ذهبتُ ذات مرة إلى الحَرم ونويتُ العمرة، لكنني لم أُغطِّ عيني ولم أدرِ أنه حرام، بماذا تنصحونني يا فضيلة الشيخ؟
- الظاهر من سؤالها أنها منتقبة، تقول: (ذهبتُ ذات مرة إلى الحرم ونويتُ العمرة، لكنني لم أُغطِّ عيني) فدل على أن عليها نقابًا؛ لأنها خصَّتْ العينين بعدم التغطية، فدل على أنها غطَّتْ ما عداهما، تقول: (ولم أدرِ أنه حرام، بماذا تنصحونني)؟
على كل حال الأمر حصل وانتهى، عليها الندم والتوبة والاستغفار مما حصل؛ لأن المُحرِمة لا تنتقب، فيحرم عليها لبس النقاب والقفازين وهما ما يُلبس على اليدين من جوارب، فليس لها ذلك، وإذا حصل ذلك عن جهل وتابتْ منه وندمتْ فلا شيء عليها - إن شاء الله تعالى-.
* * *
* بِعتُ على شخص سلعة بعشرين ريالاً بثمن حاصل، وبعتُ على آخر نفس السلعة بخمسة وعشرين ريالاً بثمن مؤجَّل، فما حكم هذا البيع؟
- إذا باع السلعة بثمن أقل نقدًا، ثم باع نظيرَها بثمن أكثر إلى أجل، وفارِقُ الثمن لا شك أنه في مقابل الأجل، هذا لا شيء فيه، بل هذا مجمع على جوازه، وهو من الدَّين الذي ذكره الله - جلَّ وعلا- في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]، فلا مانع من ذلك بشرطه.
** **
يجيب عنها معالي الشيخ الدكتور/ عبدالكريم بن عبدالله الخضير - عضو هيئة كبار العلماء، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء