القصيم - خاص بـ«الجزيرة»:
أكد فضيلة الشيخ حمد بن إبراهيم الحريقي عضو الدعوة والإرشاد بمنطقة القصيم أنه ليس ثمة عوائق حقيقية في طريق الدعوة، وأن الداعية بكسله وعجزه عن القيام بما أنيط به هو العائق الوحيد للدعوة، مشيراً إلى أن واقع الدعوة في المملكة في تطور وتقدم مع ضرورة التجديد والمعاصرة في وسائلنا بما يتناسب مع هذا الزمن المتغير والمتطور.
وأبان الشيخ حمد الحريقي في حواره مع «الجزيرة» أن ظاهرة التصنيفات ليست مقصورة على المؤسسات الشرعية، وأن الواجب علينا نبذها ومحاربتها والمساهمة في تقليلها في مجتمعاتنا.
ونبه الحريقي إلى خطورة الفراغ الذي يعاني منه الشباب مما يمكن أصحاب الفكر الضال لاصطيادهم والوصول إلى عقليتهم، مجدداً التوكيد على أهمية تثبيت قيم الإسلام ومبادئه في نفوس الناس، وفيما يلي نص اللقاء:
* تنقلتم في عدد من مناطق المملكة للعمل في الميدان الدعوي.. ترى أين وجدت نفسك من خلال هذه التنقلات؟
- الحمد لله من يحب العمل الدعوي ومن يحب خدمة دينه ووطنه فإنه سيشعر بالسعادة في كل مكان من هذه البلاد، وتنقلاتي في العمل الدعوي أكسبتني ولله الفضل مزيد المعرفة والعمق في عملي الدعوي والتعامل مع الناس على مختلف طبقاتهم ومستوياتهم وأجناسهم ففي عملي الدعوي بالقويعية عملي بإدارة مكتب الدعوة هناك أكسبتني معرفة الواقع الميداني العام والواقع في التعامل الدعوي في الهجر والقرى التابعة للمحافظة، وعملي مديرا لمركز الدعوة والإرشاد بالجوف أكسبني الدعوة الرسمية والقرب من المسؤولين والتعامل معهم عن قرب والإفادة من خبراتهم وغير ذلك، ثم عملي كداعية ميداني في الرس أكسبني مدى حاجة الناس للدعوة مما كانت مكانتهم وواقعهم فالجميع بحاجة للنصيحة والموعظة والكلمة اللطيفة الطيبة، وفي مجال عملي بالمدينة ومكة في موسمي الحج والعمرة أكسبني أن الداعية لا بد أن يكون ذا إلمام بواقع المسلمين في الخارج وكيفية التعامل معهم بكل حكمة وتؤده وصبر وحرص على التوجيه لهم بكل لطف ومحبة، وعملي في مطار الملك عبد العزيز بجدة وتعاملي المباشر مع الحجاج القادمين لهذه البلاد لأول مرة أكسبني مدى أهمية أن يكون الداعية سفيراً جميلاً وصورة مشرقة لبلاده ويعكس أهمية الاستقبال بالبشر والترحاب لهؤلاء الضيوف الذي يتلهفون لمعرفة هذه البلاد المباركة ولقاء أهلها، أما العمل في الخارج فله ذكريات جميلة أكسبتني مدى المخزون الكبير من الحب من المسلمين لبلادنا وولاة أمرها وعلمائها ودعاتها والرصيد الحقيقي الذي تملكه هذه البلاد بكونها قبلة للمسلمين في كل العالم، ولذا من فضل الله علي أنني أجد نفسي مرتاحا ومسروراً بكل عمل يناط بي للقيام به وتنفيذه على أكمل وجه لما لا وهو دعوة إلى دين الله والله يقول: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ .
* كلنا يعلم أن طريق الدعوة ليس مفروشا بالورود.. برأيكم ما العوائق التي تعترض مسيرة الدعاة وتحول دون تحقيق هدفهم؟
- من وجهة نظري أنه ليس ثمة عوائق حقيقية أو دائمة تعيق عن الدعوة إلى الله وخصوصاً في هذا الزمان الذي أصبحت فيه الدعوة متاحة في كل مجال وبلد ووسيلة، فأعطني عائقاً يعيقك عن الدعوة أعطيك له حلاً بإذن الله، ولي رسالة في ذلك وهي أعذار المتقاعسين عن الدعوة إلى الله لعلها تطبع قريباً بحول الله، والعائق الوحيد للدعوة من وجهة نظري هو الداعية نفسه وتكاسله وعجزه عن القيام بما أنيط به، وإلا فالمجالات مفتوحة والوسائل متعددة والطرق كثيرة ولكن كما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه اللهم إني أشكو لك جلد الفاجر وعجز الثقة، والناظر والمتأمل في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يرى أنه تجاوز كل العقبات في تبليغ دين الإسلام ولم يوقفه سبب من الأسباب عن الدعوة إلى الله تعالى.
* كيف ترى واقع الدعوة في بلادنا؟ وماذا تحتاج في المرحلة القادمة؟
- واقع الدعوة في بلادنا في تطور وتقدم ومن حسن إلى أحسن بإذن الله تعالى ووزارة الشؤون الإسلامية وغيرها من القطاعات الحكومية الكثيرة وحتى المكاتب التعاونية والقطاعات الخيرية الأهلية في بلادنا ولله الحمد كلها تعتني بالدعوة إلى الله، بل النظام الأساسي للحكم في بلادنا ينص على هذه الميزة الفريدة لبلادنا ففي المادة الثالثة والعشرون من النظام الأساسي تقول: وتقوم الدولة بواجب الدعوة إلى الله.
ولكن الذي أراه في حاجة المرحلة القادمة في شأن الدعوة أننا كل مهتم بأمر الدعوة أن يعرف واقع العالم وأن يستشرف المستقبل وعلى ضوء ذلك يحدد الأمور المهمة في متطلبات المرحلة الجديدة القادمة، وأرى أن ذلك من الواجبات على أهل الاختصاص، إذ لا يمكن أن نسير على ما نحن عليه قبل ثلاثين أو أربعين سنة الماضية بل لا بد من التجديد والمعاصرة في وسائلنا وطرحنا ودعوتنا إلى الله في هذا الزمن المتغير والمتطور، فالحاجة للتغيير التطوير ومواكبة العالم واستخدام التقنية الحديثة هي أصبحت من ضروريات الدعوة.
* انتشرت ظاهرة تصنيفات البشر وبالذات في المؤسسات الشرعية.. ترى من وراء ذلك، وما أثره على اللحمة الوطنية والترابط الأسري في المجتمع؟
- هذه التصنيفات آمل ألا تكون ظاهرة ولكنها موجودة نعم وللأسف أنها في عدد من الأماكن وليست مقصورة على المؤسسات الشرعية فقط ومع ذلك لا تسلم منها المؤسسات الشرعية، وهذا مصداق حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم وهذا مما يثيره عدونا الأول الذي هو الشيطان وممن يحرص على إثارة هذه التصنيفات أعوان الشيطان من أعداء الإسلام ممن يفرحون بتفرق المسلمين من خلال نشر هذه التصنيفات التي تثير العداوة والبغضاء والحقد والضغينة فيما بين الناس ولا شك أنه ينعكس سلباً على المجتمع المسلم عموماً وأهل البلد الواحد خصوصا بل وحتى البيت الواحد والله المستعان، والواجب علينا الاجتماع والتآلف والتكاتف وألا تفرقنا هذه التصنيفات، ومما لاشك فيه أن الترابط تحت راية الدين واللحمة الوطنية مما يقطع على أعدائنا استغلال هذه التصنيفات في تفريقنا، كما أن الواجب عينا أيضاً نبذه هذه التصنيفات ومحاربتها وأن نساهم في تقليلها في مجتمعاتنا.
* هل ترى أن عقم الخطاب الدعوي من أسباب ضعف المسلمين في مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية؟
- من الإجحاف أن نسميه عقماً ولكن ربما نقول ضعفاً والضعف في الحقيقة ليس بمضمون الخطاب ولكن في الناقل والمبلغ للخطاب وإلا الإسلام ينبع من الكتاب والسنة وقد بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ونقله الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين إلى من بعدهم وهكذا، وضعف الخطاب الدعوي وضعف وسائله لاشك أنه يعتبر من أسباب ضعف المسلمين في مواجهة التحديات الاقتصادية وغيرها والواجب علينا جميعاً ونحن من المسلمين أن نساهم في الرفع من مستوى تقديم الخطاب الدعوي وتبليغ دين الإسلام، والأمر بالنسبة للجميع تكاملي فمنا الداعية الذي يحمل العلم الشرعي ولابد أن يساعده الخبير الاقتصادي والتقني والاجتماعي حتى يتعاون الجميع في تبليغ دين الإسلام وتقديم صورة الإسلام الناصعة المشرقة للعالم، وأعرج هنا على نقطة مهمة وهي أنه بسبب بعد بعضنا عن بعض وكون مثلاً المهندس والطبيب والتقني وغيرهم لا يهمهم أمر تبليغ الإسلام نتج عن ذلك ضعف الخطاب الدعوي الذي يحتاج إلى تقوية ومتانة في هذا الزمان الذي يتم التنافس فيه من قبل الأعداء لتقديم ما لديهم للعالم بأحسن ما لديهم مستغلين في ذلك جميع إمكانياتهم وتغيير الحقائق وقلبها.
* لماذا ينشغل بعض الدعاة في السياسة أكثر من الدعوة؟
- لا شك أنه ليست ثمة انفصال بين السياسة والدين ولكن انشغال البعض من الدعاة في السياسة ربما له أسباب كثيرة، والسياسة بطبيعة الداخل فيها والمتتبع لأمورها فإنها تشغل كثيراً وتلهي عن أشياء أخرى ربما تكون مهمة في حياة الداعية، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الصيد: من تتبع الصيد فقد غفل أو لهى، فإنني أقول: من تتبع السياسة فقد غفل أو لهى، والواجب على الداعية أن يهتم بشكل كبير في تبليغ دعوته للناس وألا ينشغل كثيراً بالسياسة وتتبع أخبارها، وإن كنا نقول إنه لا يمنع من الاطلاع على الأوضاع السياسية في العالم إلا أننا نقول ينبغي أن تكون بقدر معين وثمة أولويات في حياة الداعية وهناك أمور مهمة هناك أمور أهم منها، والموفق من ينظر إلى ما يكون به صلاح دينه ودنياه، ويوازن بين الأمور ويقدم ماحقه التقديم ويؤخر ما حقه التأخير.
* مجتمعاتنا الإسلامية لا تتوقف فيها الجهود الدعوية ومحاولات غرس قيم الإسلام من خلال الأسرة والمسجد ووسائل الإعلام.. فلماذا التنكر لهذه القيم وتلك الأخلاقيات؟
- لاشك في الجهود المبذولة من الجميع في المحافظة على تثبيت هذه القيم والمبادئ الإسلامية في نفوس الناس عموماً والشباب خصوصاً، ولكن الناظر للواقع يرى مدى الهجمة الشرسة من الأعداء على ثوابت ديننا وقيمه ومحاولة إبعاد الشباب عن تعاليم الدين، وأرى أن الخلل في هذا الموضوع من تخلي البعض سواء من الجهات أو الأفراد عن مسؤوليته تجاه دينه وبلده ومجتمعه، إلقاء اللائمة على الآخرين وهنا نشأ الخلل وضعف الاهتمام بجانب القيم الإسلامية وضعف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأصبح الواحد من المسلمين لا يهتم بما يصلح نفسه وغيره وبلده وهذا من الأمور التي جاء الإسلام بنبذها إذ المجتمع المسلم مجتمع تكاملي تكافلي وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وفي الجانب الآخر نرى أن الغزو الفضائي ووسائل التواصل والشبكة العنكبوتية والانفتاح الغير محمود على العالم الخارجي وتحديداً المجتمعات الكافرة كان لذلك بالغ الأثر في التنكر لهذه القيم والأخلاقيات الجميلة والمتميزة في ديننا مع ضعف القيام بالدعوة إلى الله تعالى وقلة معرفة الدعاة بالطرق المناسبة للوصول إلى العامة في مجتمعاتنا والشباب بشكل خاص، ولذا من الواجب على الدعاة التفقه في وسائل العصر الحديثة والتي توصلهم إلى الناس لتقديم ما لديهم من أمور تهمهم وتنبههم على ما ينبغي التنبه له من المحافظة على المجتمع وقيمه الأصيلة.
* لماذا انساق بعض شبابنا إلى أصحاب الفكر الضال؟ وصار ضد بلده ومجتمعه؟
- انسياق بعض شبابنا لأصحاب الفكر الضال له أسباب عديدة ومن ذلك الفراغ الذي يعيشه الشاب بالإضافة إلى عدم وجود المتابعة من قبل أسرته بشكل خاص والمجتمع بشكل عام فتجد أن الشاب لا أحد يسمع له في أسرته ولا في المجتمع من حوله فلا يكون له ملاذ ومهرب إلا الانترنت الذي يجد فيه بغيته ويجد من يحاوره ويسمع له ويتواصل معه حتى بشكل خاص عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى أن أصحاب الفكر الضال عرفوا كيفية الوصول إلى عقلية الشباب وماذا يريدون وبما يفكرون ويأتونه من الأبواب أو الأمور التي يحبها الشاب وتستهوي ميوله من باب الشجاعة على سبيل المثال ونصرة المسلمين ورفع الظلم عنهم هنا أو هناك وغير ذلك من الوسائل والإغراءات التي استطاعوا بعدها التحكم بالشاب وعقله، وزرعوا في عقل الشاب الكره لكل من حوله والتنفير منهم حتى يكون ناقماً على بلده وولاة أمره وعلى مشايخه بل وحتى على أقرب الناس إليه من أهله وأقاربه والله المستعان. ويصاحب هذا التلبيس والتدليس على الشاب نظراً لضعف علميته وقلة ما يحمله من العلم الشرعي، فيلبس عليه في أمور دينية كثيرة نظراً لعاطفته الدينية الكبيرة لإخوانه المسلمين المستضعفين في العالم فيدخلون عليهم من هذا الباب ويقلبون فكر الشاب رأساً على عقب، والمسؤولية في ذلك تقع على الجميع كل بحسب موقعه وهؤلاء الشباب أمانة في أعناقنا جميعاً ينبغي علينا أن نرحمهم وأن ننقذهم ونخلصهم ممن يريد بهم شراً وفساداً كفانا الله وإياكم وكفى بلادنا شر الأشرار وكيد الفجار، وأدام الله على بلادنا وبلاد المسلمين عامة الأمن والإيمان.