إذا وجدت نفسك:
أن كل ما تفعله لا يؤتي أكله..
وكل ما قدمته خابت نتائجه..
وكل أفعالك لا تؤدي إلى تحقيق ما تريد أن تحققه..
ووجدت نفسك وقد انطبق عليك القول الكويتي: وين ما أطقها عوياء (عوجاء) أي أن كل ما أفعله لا يؤدي إلى ما أريده, هنا أقل لك آن الأوان كي تتوقف.. وتسترخي.. وتأخذ نفساً عميقاً لنفسك.. وسلِّم الأمر لعقلك قبل قلبك وتدارك ما مضى من وقتك.
أذكر أن إحدى الزميلات المقرَّبات أنهت مشوارها الوظيفي بالتقاعد المبكر رغم صغر سنها وقدرتها على العطاء لكن اختارت أن تنهي الطريق مبكراً رغم ما لديها من طموحات وأمنيات تسكن روحها واكتفت بإجابتها المبهمة للجميع (مليت)، الكثير منا يشتكي تعسّر أمور حياته, يحزن, يتأفف من الحياة, ولم يسأل نفسه لماذا أنا، ولماذا أموري متعثِّرة ولماذا ولماذا؟ قد يقول البعض سعيت وسعيت وعملت وأديت بلا نتيجة والبعض قد يتسخط بالدعاء بقوله (دعيت والله ما استجب) رفقاً بقلوبكم أحبتي فالسعادة ليست هكذا؟
بحكم طبيعتنا البشرية ونظرتنا القاصرة نحزن مع أن أمر المؤمن كله خير وأن الله هيأ طريق السعادة للجميع فمنذ أن يرى الإنسان النور وهو في بحث مستمر عن السعادة، حتى الطفل الصغير يحاول أن يغتنم كل فرصة تصنع له السعادة بكل لحظاته من لعب وجري وغيرها لأنه يعتقد بأن ذلك يجلب له السعادة والسرور، وعندما يبدأ يكبر يشعر بأن التميز في الدراسة قد يجلب له السعادة فينال بها مدح الأستاذ والعائلة والأصدقاء، وعندما يصبح شاباً يافعاً يبدأ بالاهتمام بشكله الخارجي والبحث عن هوايات وأنشطة جديدة لكي يتميز بها ظناً منه بأن ذلك هو ما قد يجلب له السعادة، وعندما يكبر قليلاً يبدأ بالبحث عن عمل ثم يود أن يتزوج وينجب أطفالاً ويشتري منزلاً وسيارة، فهذي سنَّة الحياة حتى يستمر الإنسان في الإنتاج وفي العمل المستمر والمثمر.
قارئي العزيز.. قبل أن أبدأ بعرض وصفتي للسعادة، يجب أن تدرك تماماً بأن الحزن والألم وغيرها من المشاعر السلبية لا يمكن أبداً الفرار منها، إذ لا بد أن تمر بهذه المشاعر وستمر بها في المستقبل، ولا يمكن أن تجد وصفة سحرية يمكنها أن تجعلك شخصاً سعيداً بكل أمور حياتك، فهذا أمر مستحيل تماماً، لكن سأهديك بعض النصائح راجية أن تجعلك أقرب إلى الشعور بالسعادة:
1- اليقين والثقة والتوكل على الله
لا أجد موقفاً أجلى وأجمل من سيد الموقنين صلوات ربي عليه وهو على وشك قرب العدو منه ولثقته بربه وتوكله عليه في موقف لو نظر عدوه تحت قدميه لرآه ولكن خاطب صاحبه بلغة الواثق: (لا تحزن إنّ اللّه معنا) وآمن خوف موسى وهارون بقوله جلَّ وعلا: {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}، فسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب على الله وحده فأي كفاية يجدها المرء بعد ذلك، فكفى بربك وكيلا.
2- الرضا التام
ما أجمل ما رددناه وحفظناه صغاراً (رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيناً رسولا)، إن من عجيب أمر الإيمان أنه يكسب المؤمن الرضا بما قسمه الله له، والصبر على المصاعب والشدائد، والشكر على النعم والعطايا، وذلك يكسبه رضىً داخليًّا، فالرضا بالحال يجلب لصاحبه طمأنينة النفس وهدوء البال، ويشيع البهجة في حياته، فرحاً بكل قليل, فالشعور الدائم بالامتنان على ما نملك من صحة وعائلة وأصدقاء أو نجاح وظيفي أو موهبة تميزنا عن الآخرين والتعامل مع كل ذلك على أنها نعم تجدد يومياً سيعزِّز الشعور بالرضا الداخلي.
3- افعل الخير
وهذا أمر مجرّب ومشاهد، لذا نرى المحسنين للآخرين من أسعد الناس، ومن أكثرهم قبولاً في الأرض والله يحب المحسنين قولاً وفعلاً وامتثالاً ولعلّ أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث مع الصدّيق - رضي الله عنه - في حادثة الإفك عندما منع المال عن قريب له تكلّم كلام سوء في ابنته أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- فجاءه النداء الرباني لإعادة الحال على ما كان عليه سابقاً، وتجاوز العمل المسيء الذي قام به {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فما كان من أبي بكر - رضي الله عنه- إلا الامتثال لأمر الله وتجاوز الإساءة عمَّن أساء إليه.
4- مواجهة الأفكار والمشاعر السلبية
لا تجعل مشاعرك السلبية جبلاً متراكماً تحمله داخلك، يرهقك ويعوقك فتشعر بالعجز من نسفه في حياتك، تخلص من مشاعر الزمن الماضي والأحداث الموجعة والذكريات الأليمة، فالمشاعر والأفكار السلبية نابعة من معتقداتك الخاصة وعن صورتك لنفسك وهنا أنت ستكون محتاجاً لإعادة صورتك الذهنية لنفسك بالإيجابية والتحفيز، أما المشاعر السلبية الاجتماعية الناتجة لحدث أو موقف فليزم السيطرة أولاً والهدوء لراحتك النفسية والصحية، فلا شيء يستحق الهدر، فالكمال والمثالية ليست من صفات البشر فالتزامك بالصمت والتريث سيجعلك أكثر قدرة للانتقال للخطوة التالية وهي (اتخاذ قرار خاص بشأن هؤلاء الأشخاص وكيفية التعامل معهم).
طمئن نفسك دائماً أن المشاعر وقتية وزائلة ويمكنك التخلّص منها إن أردت، وتذكر أن هذا قرار ينبع من داخلك فاخلص النية وتوكل واستعن بالله.
5- المال لن يجلب لك السعادة
يقال (المال أرقام والأرقام أبداً لا تنتهي، فإذا كنت تحتاج المال لتكون سعيداً فبحثك عن السعادة أبداً لن ينتهي) وأنا أقول ربما يكون المال سبب من أسباب السعادة ولكن لن يشتريها، فالفلسفة تقول (هناك سعادة بدون مال وهناك مال بلا سعادة).. فالسعادة ليست بالمال, فحين تعجب بنو إسرائيل من طالوت بعدم أحقية بالملك ولمَ يؤتى المال؟ جاءهم الرد الرباني: {قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}.
أعجبتني الحياة السعيدة التي عاشها الكاتب اللواء الطيار عبدالله السعدون لتجربة إنسانية وحياة مليئة بالدروس والعبر والنجاحات، على الرغم من أنه لم يربط سعادته بالمال، بل عاش سعيداً بدونه (من دراجته إلى مدرج طائرته)، فمالك فد يصنع لك شيئاً من السعادة لكن تبقى ناقصة لأن الإنسان اجتماعي بفطرته يحتاج للصحة وللحب والعائلة والأصدقاء وفي النهاية السعادة قناعة.
تذكر قارئي العزيز أن الحياة أمل.. وألم.. وأجر..
وهذه مجرد خطوات تضعك على الطريق، ولكن المجهود الأكبر والتطبيق العمليّ والتنفيذ هو مسؤوليتك.. دمتم بكل خير وسعادة..
** **
هناء بنت أحمد العضيدان
Al-wed95 @hotmail.com