(ستيف رينيموند) رجل عصامي حقق العديد من النجاحات المميزة والقفزات المهنية والشخصية الهائلة، تدرج من وظيفة حارس في البيت الأبيض, وانتهى المطاف به مديرا تنفيذيا لشركة ببسي, ولك أن تخمن ما هو الإنجاز الذي يفتخر به؟
هل هي عصاميته؟
أم تدرجه السريع وقفزاته المهنية المذهلة؟
أم مساهمته في رفع أرباح ببسي إلى 9 مليارات؟
أم دوره الفاعل في رفع القيمة السوقية لشركة ببسي لأكثر من مائة مليار دولار!
رجل بلغ الغاية العليا وظيفيا، والنهاية القصوى وجاهة، والعجيب أنه لم تكن كل هاتيك الإنجازات موطن فخره!
ودونك ما كان يفتخر به (ستيف):
في صبيحة يوم غائم سا كن الريح، وبينما كان (ستيف) المدير التنفيذي لشركة ببسي في مكتبه يحتسي قهوته الصباحية، ويطل عبر نافذته مستمتعا بمنظر تلك الحديقة الجميلة مترامية الأطراف والتي اقتطعت مساحة كبيرة من فناء الشركة، جاء رنين الهاتف ليقطع حاجز الصمت الرهيب الذي خيم على أرجا ء المكان!
فمن يا عساه يتصل في هذا الوقت المبكر من اليوم؟
التقط سماعة التلفون وأجاب!
فمن كان يا ترى هذا المتصل؟!
إنه أبعد شخص يتوقع اتصاله.. لقد كان المدير التنفيذي لشركة كوكا كولا!
إنه العدو اللدود، والخصم العنيد، والمنافس الوحيد!
والذي تلقى صاحبنا بلسان عذب رقيق وتحية لطيفة جميلة!.. وشكر مدير كوكا كولا لصاحبنا شكرا كبيرا، وأبدى تقديرا بالغا على الخدمة العظيمة، والتصرف الحضاري والسلوك الراقي الذي قدمه له المدير التنفيذي لشركة ببسي! والذي علت محياه دهشة كبيرة، واستغراب كبير! فهو لا يذكر أنه قد تواصل معه أو تحدث معه، فضلا على أن يكون قد أسدى له خدمة!
فاستوضح منه الأمر، فذكر له أن مجموعة من الملفات المهمة بالغة السرية، والتي تخص شركة كوكا كولا قد أرسلت بالخطأ إلى شركة ببسي! فما كان من موظفي ببسي إلا أن أعادوا تلك الملفات دون فتحها، موقنا بأن هذا التصرف تم بإيعاز من (ستيف)، وهو الأمر الذي ما سمع عنه في الأصل!.. وبعد انتهاء المكالمة اتصل (ستيف) بالقسم المسؤول واستفسر عن الحا دثة, فأكدها له مدير القسم، وبين أن الملفات وصلت، وأعيد إرسالها للشركة المنافسة مباشرة، ولا يعلم بهذا الأمر إلا هو والموظفة التي استلمت الملفات!... لقد كانت من أجمل المكالمات التي تلقاها (ستيف).
كان هذا الموقف هو مثار فخر ستيف بعد استقالته من ببسي؛ فعندما يسأل عن أهم إنجازاته، كان يتباهى بهذا الموقف، ويقول: أعظم إنجازاتي هو أنني نجحت في زراعة القيم الجميلة فيمن حولي!
كانت تلك قصة قرأتها للكاتب الهندي الرا ئع (برا كاشاير) وفيها من الفوائد الكثير، ومنها:
1- دور القائد والأب الحقيقي يتمثل في زراعة القيم، وليس في تحقيق الإنجازات والركض خلف الأهداف فحسب، ودلالة نجاح زراعة القيم ورسوخها فيمن حولك هو انعكاسها على تصرفاتهم في غيبتك وحضورك, الأب العاقل والقائد الناجح هو من يستثمر المشاهد ليزرع فيها قيمة ويرسخ فيها مبدأ, وأن لا يكون همه تحقيق مكاسب زهيدة على حساب القيم والمبادئ!
2- بعض المكاسب صغيرة ولذتها مؤقتة، والاستمتاع بها لا يدوم؛ فلو أن الملفات فتحت, فماذا عساها النتيجة؟! ربما تحقق الشركة شيئا من المكاسب حينها, ولكن جزما ليس بحجم الأثر البالغ الذي سيخلفه ذلك التصرف الجميل في نفوس أصحابه وفي نفوس زملائهم؛ فقيم الإنسان الحقيقية هي تلك المعتقدات التي تشف عن روحه. وما أروع ما قاله رئيس أمريكي: «عندما أغادر البيت الأبيض أود أن أحتفظ بصديق واحد فقط، وهو الصديق الذي يكمن في داخلي!»
3- الأزمات تكشف المعادن والشدائد تجلي الأخلاق؛ فلم يتردد الموظفون في إرسال الملفات لشركة كوكا كولا، وبكل أريحية، رغم كونها بالغة الأهمية والسرية!.. ومن المألوف أن يظهر من المتنافسين والأقران والخصوم إمارات الغدر ولوائح المكر!
4- فرق بين من يعمل الخير بقناعة وبين من لا يصيب إلا مخطئا، ولا يحسن إلا ناسيا، ولا يسخو إلا كارها، ولا ينصف إلا خائفا!
5- من لطائف القصة أن الموظفين لم يترددا في التصرف، ولم يستشيرا مديرا ولم يسألا مسؤولاً، بل اتخذا القرار مباشرة ودونما تردد! إن من لا يملك قيما يتيه في مرا كب الحياة، كثير التردد، عظيم الاضطراب، كل عاصفة تهديد له، و كل موجة عاتية قد تغرقه، خلاف صاحب القيم؛ قراراته منضبطة وأرضه صلبة، حتى عندما تنهار الأراضي حوله!
6 - العجيب في هذه القصة أن الأمر بقي سراً؛ فلم يخبر الموظفان أحدا بما حصل! ولو أرادا لأذاعا الخبر؛ لكسب مجد أو تلقي ثناء!.. بل سرى المشهد بهدوء وسلاسة؛ لأنهما كانا يؤمنان بأن ما فعلا أمر بدهي واجب عليهما، ولا منة لهما فيه.
7 - رسالة لكل من يتقفى أخبار الآخرين ويتقصى آثارهم ويعد أنفاسهم أن يخجلوا من أنفسهم!.. فالبعض وصل لمرحلة استجلاب أخبار البيوت عن طريق الصغار والخدم فقط بلا أدنى مصلحة سوى إشباع فضوله، وهذان الموظفان رغم الفائدة التي ستجنى كانا صامدين، ولم يستجيبا لضغوط المنافسة.
8 - حفظ الجميل وشكر المعروف من طبع الكرماء، فلم تصد رئيس كوكا كولا تلك المنافسة والعداء المستحكم على أن يتواصل مع مدير ببسي ويشكره على ما حدث، ولسان حاله: «يسعنا أن نتنافس باحترام».
وأخيرا، ينصحك (جونسي ما كسويل): «إن أردت أن تحيا سعيداً، وأن تبقي أثراً جميلاً فعليك أن تتعرف على قيمك، ثم اتخذ قرارا بتبنيها وممارستها يوميا!».. وأقول: «إن صاحب القيم حسن الذكر، طيب السيرة».