بينما كانت الطائرة على وشك السقوط، وبعد أن تحدث الطيار بصوت حزين ونفس متقطع: «استعدوا للاصطدام!»
يقول أحد الركاب والذي انخلع قلبه، واقشعر جلده، ويدعى (ريك إلياس) وقد أشرف على الموت، وأوشك على التلف: «كل شيء تغير في دقائق معدودة! لقد ظهرت لي في لحظة جملة من المشاهد، منها:
الأمنيات المؤجلة،
والأصدقاء الذين أتمنى مقابلتهم!
والأشخاص الذين أخطأت بحقهم وأود الاعتذار لهم!
وأسرتي التي كنت أتمنى قضاء وقت أطول معها!
والأوقات التي ضيعتها على أشياء غير مهمة!
وأيام الهجر المؤلمة مع زوجتي!
وساعات الجدل على القضايا التافهة!»
وبعد هذا، أراد الله له النجاة؛ فهبطت الطائرة بسلام في أحد الأنهار! فكان هذا الموقف منحة من الله لصاحبنا لكي يرى المستقبل ويبصر الحقيقة، وأن تمتد حياته لكي يصحح المسار ويحيا من جديد! فهل نحن محتاجون أن نقترب من الموت، أو نلقى هولا هائلا، أو تنالنا روعة شديدة لكي نتحرك ونتغير؟!
أحيانا يكون الحديث عن الحقيقة الأكبر (الموت) إيجابيا؛ فربما كان طوق النجاة والمحرض الأقوى والدافع الأكبر لتغيير الأمور، وأحسب أن هناك الكثير من الأمور التي تجيش في الصدر وتجمجم في العقل وتصرخ في حجرات القلب، ولكن أذهلتنا عنها المشاغل، وأجبرتنا على تناسيها العادة! لذا فنحن نحتاج لعلاج كل هذا لمثل هذا الحديث!
إن التعلم مما نذم عليه الآخرون، والاعتبار بتلك المواقف، مهم لإعفاء النفس من تذوق نفس الكؤوس المرة التي تذوقوها!
ولن أنسى -ما حييت- كلمة ذلك العاقل، وكانت في ثنايا نصيحة له لشخص يحثه على حل خلاف مع قريب، حيث قال: «إما أن تسبقه أو أن يسبقك؛ فإن سبقته فاجعله يذكرك بخير، وإن سبق ك فقد أعفيت نفسك من حسرات الندم!».
فلا تتطاول على الدنيا، ولا تبارزها؛ فهي أطول نفسا منك، وأشد صلابة منك! فمن آذيته، ومن سلبته حقه، ومن انتهكت عرضه، ومن جرحت شعوره، ومن أحببته ولم تعبر له عن حبك، ومن أسدى لك معروفا ولم تشكره، ومن له حق عليك وما أكرمته، ومن كسرت قلبه... كل هؤلاء لن يعمروا، وأنت كذلك... وربما لن تسنح لك الفرصة لفعل الصواب أو لإصلاح الأمور؛ فكلاكما إلى نهاية، وقد تكون دون مؤشرات ولا مقدمات!
وجميل ما قاله أحد العقلاء: «مما أكرهه في الموت أن لاثمة فرصة للاعتذار، ولا مجالا للتعبير عن الحب!»
البشر مع كثرة الأشغال وتزاحم الارتباطات ونمو الأعمال وكثرة الملهيات تستبهم عليهم معالم القصد، ويذهلون عن التدبر والتأمل!
ومع (طاحونة) الحياة يتلاشى عن وعيك سبب قيامك بهذا العمل أو عدم قيامك بذاك! ومع كل يوم تزداد الطاحونة قوة وعنفا وسرعة؛ فيكون من العسير عليك القفز منها أو ملاحظة ما يدور حولها!
خذ من الناجحين إستراتيجية كثيراً ما يعملون بها ألا وهي إستراتيجية (التحسين المستمر)، حيث يتوقفون بين فترة وفترة كما يعمل التاجر سنوياً للمراجعة والجرد، وهؤلاء الناجحون يتوقفون عند عادة سلوكية أو فكرية أو عموم أوضاعهم ويراجعونها ويعيدون ترتيب الأوراق وضبط الأفكار وتحسينها، وإعادة صياغتها، قد آمنوا بأن خير هدية يهديها الإنسان لنفسه هي تهذيب عقله وتطوير الأفكار!
اتخذ قرارك الآن مهما كان عمرك، اتخذه وإن وهن العظم، ونضب معين الشباب بتحسين حياتك وإجراء تعديلات على توجهك الفكري، وعاداتك اليومية، ولا تنتظر مرضا أو فقدا أو كارثة لتقوم بدور المنبه!