د. أحمد الفراج
خلال الأسابيع الماضية، تزامنت أحداث، تم إنتاجها وتسويقها ببراعة كبيرة، فقد نشرت جريدة النيويورك تايمز، ألد خصوم ترمب، مقتطفات من كتاب الصحفي، بوب وودوورد، وهو الكتاب، الذي قال عن ترمب وإدارته كلامًا كبيرًا، يوحي بأن أمريكا في حالة فقدان للبوصلة، وتزامن مع ذلك، نشر ذات الجريدة، رسالة لمجهول، يردد المزاعم التي ذكرها وودوورد، والطريف في الأمر هو أن الكاتب المجهول، قال إنه ضمن فريق «المقاومة» في إدارة ترمب، والأطرف هو أن هذا المقاوم، اشترط على الجريدة عدم نشر اسمه، حتى لا يخسر وظيفته، أي أنه مستاء من ترمب، لكنه يرغب في مواصلة العمل معه!!، ربما لأنه يرغب في استمرار مقاومة الرئيس، الذي فاز بانتخابات ديمقراطية، في أهم معاقل الديمقراطية!
وحتى يكتمل مشهد الحرب على ترمب، ألقى باراك أوباما كلمة، شنّع من خلالها على ترمب، وكانت وسائل الإعلام في حالة حشد غير مسبوق، ذكرني بالحشد ضد صدام حسين، بعد غزو الكويت، ولئن كانت كلمة أوباما متوقعة، نظرًا للخصومة الشخصية القديمة بينه وبين ترمب، التي تضاعف منسوبها، بعدما انسحب ترمب من الاتفاق النووي، الإنجاز الوحيد لأوباما، فإن نشر جريدة نيويورك تايمز، وهي الصحيفة العالمية العريقة، لرسالة من مجهول، يعتبر خرقًا لأصول المهنية، وتجاوزًا لا يمكن تبريره، حتى ولو كانت الصحيفة تعرف الكاتب، كما تزعم، لأن الأمر هنا يتعلق بالأمن القومي، وكان الأولى بالكاتب المجهول، إذا كان حقًا قلقًا على كفاءة إدارة ترمب، وليس جزءًا من الحرب المسعورة ضده، أن يتوجه برسالته للكونجرس، أو لأجهزة الأمن، ويعلن عن اسمه الصريح، فليست وظيفته أهم من الأمن القومي الأمريكي.
أما بوب وودوورد، الصحفي العملاق، الذي يتردد اسمه حول العالم منذ عقود، بعدما كان سببًا رئيسيًا في الإطاحة بالرئيس نيكسون، فلم أكن أتصور يوما أن يصبح جزءًا من حرب أيدولوجية مسيّسة، خصوصًا وأنه في غنى عن الشهرة والمال، وفي خريف العمر، وقد يفقده هذا الكتاب معظم المصداقية، التي حصل عليها خلال مسيرته المهنية، فبعض المزاعم التي وردت في الكتاب يصعب تصديقها، وكنت سأحسن الظن في وودوورد، جزئيًّا على الأقل، لو لم يتوافق تاريخ نشر الكتاب، مع موعد ذكرى أحداث سبتمبر، ما يعني أن الكتاب مسيّس، وجزء من الحملة ضد ترمب، قبل الانتخابات النصفية القادمة، على أمل أن تكسر هذه الحملة «المنحازة» حدّة صعود الحراك الشعبوي القومي، الذي أشعل جذوته ترمب، منذ أكثر من عامين، ولكنني، ومن هذا المنبر الحر، لا أستبعد أن يصب كل ذلك في صالح الرئيس ترمب، الذي يعشقه أنصاره، بقدر كُرْه خصومه له، وسيستمر الحديث.