د. أحمد الفراج
خلال التاريخ السياسي لأمريكا، الذي جاوز القرنين، مرّ عليها رؤساء كبار، زعماء من طراز رفيع وعيار ثقيل، لا تزال سِيَرهم (تُدرّس في أرقى الأكاديميات، مثل الأب الروحي للإمبراطورية، جورج واشنطن، وأفضل الرؤساء، ابراهام لينكولن، والمفكر توماس جيفرسون، كما تسنم قيادتها رؤساء سيؤون للغاية، يتقدمهم بلا منازع، جيمز بوكانن، وفرانكلين بيرس، ورغم النقد الحاد، الذي تم توجيهه لكل الرؤساء، وخصوصًا الأسوأ منهم، بحكم أن نقد الساسة جزء رئيس من الحراك السياسي، وهو نقد يتجاوز الحدود في كثير من الأحيان، إلا أن جميعهم دون استثناء، أكمل فترته (أو فتراته) الرئاسية، عدا من تم اغتيالهم، أو ماتوا أثناء توليهم المنصب.
ورغم أن معظم الرؤساء ارتكبوا أخطاء سياسية، وأقاموا علاقات خارج إطار الزوجية، بعضها لم يتم الكشف عنها إلا بعد رحيلهم، إلا أنه لم يواجه خطر العزل إلا ثلاثة رؤساء فقط، من أصل 45 رئيسًا، هما الديمقراطيان، اندرو جانسون وبيل كلينتون، والجمهوري، ريتشارد نيكسون، إذ إن جانسون، الذي كان من سوء حظه أنه خلف أعظم رؤساء أمريكا، ابراهام لينكولن، ارتكب أخطاء فادحة، دخل من خلالها في مواجهة عنيفة مع الكونجرس، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، فقد كان جانسون جنوبيًّا عنصريًّا، تولى الرئاسة، بعد هزيمة الجنوب، على يد الحكومة الفيدرالية، بقيادة لينكولن، في الحرب الأهلية، التي انتهت بإلغاء الرق، ولم يتحمس جانسون لإكمال المشروع، وارتكب إثر ذلك تجاوزات كبيرة، ما جعل مجلس النواب يصوت على عزله.
وعندما انتقل مشروع العزل إلى مجلس الشيوخ، وتمت محاكمة جانسون، تم التصويت على العزل، ولكنه نجا بفارق صوت واحد فقط!، وبعد حوالي القرن، تفجرت فضيحة العلاقات النسائية للرئيس بيل كلينتون، وتم اتهامه بالكذب والتزوير ومحاولة عرقلة سير العدالة، ثم صوت مجلس النواب على عزله، وانتقل المشروع إلى مجلس الشيوخ، حيث تمت محاكمته، وهي المحاكمة، التي تابعها العالم أجمع، وتخللها فضائح من عيار ثقيل، ولكن مرة أخرى، صوت الشيوخ على العزل، ونجا كلينتون، ثم أكمل فترته الرئاسية، أما الرئيس نيكسون، فقد استقال، بعدما أدرك أنه قد يعزل، لأن الجرائم التي ارتكبها كانت كبيرة، كما أن بعض كبار أعضاء حزبه تخلوا عن الولاء الحزبي لصالح العدالة، وهو أمر نادر الحدوث، والخلاصة هي أنه لم يتم عزل أي رئيس أمريكي فيما مضى، ولعل في هذا عزاء للرئيس ترمب، وصدمة لخصومه، الذين لا يتخيلون بقاءه لفترة أطول، وحقائق التاريخ، لا الأهواء، هي الفيصل في هذا الشأن!