د. أحمد الفراج
نعاود الحديث عن إجراءات عزل الرئيس الأمريكي، الذي يراه خصومه حلما قريب المنال، ونراه، حتى اليوم على الأقل، حلما بعيد المنال، لأن الأمر أكثر تعقيدا مما يراه الحالمون، وقد وعدتكم بالحديث عن إجراءات عزل الرئيس في الدستور الأمريكي، وهي إجراءات تشبه الآباء المؤسسين، الذين كتبوا هذا الدستور الخالد، الذي يبدو اليوم، في عصر التكنولوجيا، أكثر رونقا وعمقا، مما كان عليه عندما كُتِب، في عصر العربات التي تجّرها الخيول، قبل أكثر من قرنين من الزمان، ويعتبر عزل الرئيس من أهم صلاحيات الكونجرس الأمريكي، أي مجلس النواب ومجلس الشيوخ، ولكل مجلس دوره الكبير في هذا الإجراء، الذي يعتبر نادر الحدوث، ولكن مجرد كونه واقعاً قد يحدث، يمنح قوة كبرى للكونجرس، ويحد من تجاوزات الرئيس.
ولأن عزل الرئيس، الذي انتخبه الشعب، يعتبر حدثا جسيما، فقد حرص الآباء المؤسسون على أن لا يحدث ذلك، إلا بمسبّبات كبرى، مثل الخيانة الوطنية، والرشوة، والتزوير والكذب، وعندما يرتكب الرئيس الأمريكي إحدى هذه الجرائم الكبرى، فإن الخطوة الأولى هي أن يتقدم عضو أو أكثر من أعضاء مجلس النواب بلائحة اتهامات توجب العزل، وفي حال تم قبول ذلك، تتولى لجنة الشؤون القانونية ( القضائية ) في المجلس مناقشة الأمر، ثم يتم التصويت، فإن صوت أغلبية أعضاء اللجنة بالعزل ( النصف+1)، يتم طرح الموضوع للنقاش، ومن ثم التصويت على تقديم التهم بحق الرئيس، من قبل مجلس النواب بكامل أعضائه، وهنا يمر مشروع الاتهام بالأغلبية (النصف +1)، وفي حال مر المشروع، ينتقل إلى مجلس الشيوخ!.
في مجلس الشيوخ، وهو المجلس الأهم والأعلى، تتم محاكمة الرئيس، ويرأس المحاكمة أعلى قاض في أمريكا، أي رئيس المحكمة العليا، وهي محاكمة حقيقية، يتولى فيها أعضاء من مجلس النواب دور النائب العام، ويحق للرئيس توكيل محامي أو أكثر للدفاع عنه، وبعد نهاية المحاكمة، يصوّت المجلس على عزل الرئيس، وهنا، على عكس مجلس النواب، يجب أن يصوّت ثلثا الأعضاء بالإدانة، أي 67 صوتا من أصل 100، وإن تم ذلك، يُعزل الرئيس، أما في حال عدم التصويت بأغلبية الثلثين، فإنها تتم تبرئته، وسنواصل الحديث عن السوابق، التي تمت في التاريخ السياسي لأمريكا، ونحكم من خلال ذلك على ماهية « العزل «، واشتراطاته، وإمكانية حدوثه مستقبلا!.