د.عبدالله بن موسى الطاير
الحرب العالمية الثانية كانت بشعة وخسائرها أمكن تصور فداحتها قبل نهايىة الحرب رسميا. أمريكا بقيادة فرانكلين روزفلت وبريطانيا بقيادة رئيس الوزراء تشرشل ومن التف حولهما في هذه الحرب كانوا يعملون على تصور لعالم ما بعد الحرب، ومن ذلك تكتلات دولية ترسخ «الحرية والعدالة والسلام في العالم»، وقد عمل روزفلت وتشرشل على اتفاقية الأطلنطي التي أدت لاحقا إلى قيام الأمم المتحدة. في نهاية المطاف هناك أهداف وغايات تضمنها الدول المنتصرة في أية كيانات تسهم في تأسيسها وتحتفظ لنفسها بميزات تمكنها من لعب دور قيادي في تقرير مصير العالم.
لا أحد ينكر أن مدونة حقوق الإنسان التي تطلعت إليها أمريكا وبريطانيا إذا ما وظفت بالشكل الصحيح فإنها سوف ستسهم في حماية المدنيين في أوقات الحروب والسلم، ولكن لا أحد يمكن أن يسلم بأنها كانت لوجه الله ولعيون بني البشر فقط. إن الحريات الأربع الأساسية المتمثلة في حرية الرأي والتعبير، وحرية العبادة، والتحرر من الخوف والتحرر من الحاجة استخدمت سياسيا لانتهاك سيادة الدول، فلم يعد هناك دولة كاملة السيادة إذا ما انتهكت هذه الحقوق أو بعضها. ومع ذلك فإن هذا التخويل بالتدخل الدولي لحماية حقوق الإنسان لم يسلم من الاجتزاء والتوجيه، فقد كان هدفه الأول دول المحور بقيادة ألمانيا النازية وإيطاليا واليابان.
الرئيس روزفلت بصفته داعية لحقوق الإنسان وقع قرارا ينتهك حقوق اليابانيين في أمريكا عندما جمع نحو 120 ألف منهم ممن يعيشون على الشواطئ وقذف بهم في شبوك في المناطق الداخلية. ومع ذلك استمرت فاعلية الأمم المتحدة والدول الغربية في معاقبة بقية الدول على أساس حقوق الإنسان وتصدر وزارة الخارجية الأمريكية تقريرا سنويا حول انتهاك الدول لحقوق الإنسان بل وتربط مساعداتها وعلاقاتها بمدى التزام الدول من عدمه بحقوق الإنسان.
ولأن أمريكا داعية ومؤسس لحقوق الإنسان فإنها قد التزمت بما نسبته 26 % من ميزانية مجلس حقوق الإنسان في جنيف، إلا أن زيد بن رعد الحسين رئيس مجلس حقوق الإنسان أخطأ قراءة المشهد فوصف أمريكا بعديمة الضمير عندما انتقد الإجراءات التي تطبقها إدارة الرئيس دونالد ترامب على حدودها والتي أدت إلى فصل حوالي الفي طفل عن ذويهم، والتي قال فيها ابن الحسين إن «فكرة سعي أي دولة لردع الآباء عن الهجرة بمثل هذه الممارسة السيئة مع الأطفال هو عمل عديم الضمير». انسحب أمريكا مباشرة ولكن تحت ذريعة أخرى وهي أنها لم تجد حليفا يتحلى «بالشجاعة للانضمام إلى معركتنا من أجل إصلاح المجلس المنافق والأناني».
يمكن الشماتة بأمريكا التي تبتز دول العالم الثالث كل سنة بقائمة من الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، والعيب عليها بأنها لم تتحمل انتقاد المجلس الدولي لممارساتها التي تنتهك حقوق الإنسان. إلا أن الأمر غير ذلك؛ فأمريكا لم تنسحب من أجل إسرائيل ولا بسبب انتقاد سجلها الإنساني، ولكنها انسحبت لأن قواعد اللعبة قد تغيرت، ولم يعد هناك دول محور كما أنه لم يعد ممكنا التدخل في الصين ولا في روسيا من أجل حقوق الإنسان.
الرئيس ترامب يتجه لبناء نظام عالمي أكثر واقعية، تحكم وشائجه المصالح وليس المبادئ، وإذا لم تسانده الأمم المتحدة بتبني رؤيته فإنه لا محالة سيتبعها بالأونروا وبمجلس حقوق الإنسان. الرئيس الأمريكي يقدم نصائح يومية لأوروبا في مجال حقوق الإنسان، وفي ظني بأنه سينجح في حشد المتعصبين فيها لتبني سياسات أكثر انكفاء على الداخل منها انفتاحا على الخارج.