د.عبدالله بن موسى الطاير
رمضان مبارك. للتو انتهت قمة إسلامية طارئة في إسطنبول وهي الثاني في أقل من 6 أشهر لمناقشة ذات الموضوع في ذات المكان للخروج بموقف إسلامي موحد. قبلها بيوم واحد عقد اجتماع في جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية لإدانة المجزرة الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني الأعزل.
عامة الناس وخاصتهم يرون أن هذه الاجتماعات على مستوى القمم أو الوزاري منها ليس سوى منتديات لإطلاق الوعود الفضفاضة، وتفريغ شحنات عاطفية مكبوتة أو من أجل حشد الرأي العام في قضايا داخلية. ليكن ذلك، ولكن في عالم اليوم ليس هناك من وسيلة بديلة للتعبير عن التضامن سوى الكلام والتجمعات السياسية وفق المتعارف عليه دوليا، البديل هو الدخول في حرب عسكرية أو اقتصادية أو سياسية، ولا أعتقد أن أحدا مستعد للإقدام على ذلك فلكل دولة حساباتها الخاصة ومصالحها الوطنية وعلاقاتها الدولية. ولكن إبقاء القضية حية عبر المؤتمرات هو أضعف الإيمان، ولا بد من مواصلة مثل هذه الجهود على المستوى العربي والإسلامي والدولي.
طبعا لدينا وبخاصة في العالم العربي والإسلامي موقف مسبق من القمم والمؤتمرات، ونرى أنها مجرد كلام في كلام. فليكن ذلك، فما نحن فاعلون؟ الجواب لا شيء سوى النقد، سيقول البعض وبدون تردد. بيد أن التفكر قبل الإجابة سيوحي بخلاف ذلك، فنحن قادرون كشعوب على إحداث نقلة عملية في التعاطف مع الفلسطينيين.
كم عدد المسلمين الذين احتشدوا في الميادين من إندونيسيا شرقا إلى سورينام غربا؟ وكم عدد الذين شجبوا على مواقع التواصل الاجتماعي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والمذبحة التي ارتكبتها إسرائيل على حدود غزة وراح ضحيتها أكثر من 60 شهيدا ونحو 3 آلاف جريح؟
نتحدث عن أمة مكونة من نحو 1.7 مليار مسلم، فليكن القادرون منهم على دفع دولار واحد يوميا لصالح فلسطين مئة مليون فقط. بهذا نستطيع سد حاجة الفلسطينيين إلى الدواء والتعليم ونعينهم على حياة كريمة في ظل الاحتلال. ونستطيع الدفع لأفضل المحامين ومكاتب العلاقات العامة في العالم وشراء من نريد لحشد مواقف سياسية ضد إسرائيل. بحولي ثلاثة مليارات دولار شهريا، و36 مليار دولار سنويا نستطيع قلب الرأي العالمي ضد إسرائيل ليس ذلك فحسب وإنما شراء أصدقاء إسرائيل الذين ابتاعتهم بالدولارات في دوائر صناعة القرار العالمية.
أعرف أن هذه فرضيات، وقد ينظر إليها البعض على أنها أفكار طوباوية ولكن الذي يستمع للمفوض العام المسؤول عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين unrwa يعرف أهمية الدولار الواحد في إضاءة شمعة أمل لنفس فلسطينية. دعونا نعمل بدلا من اللطم والندب. كلامي موجع ويضعنا أمام حقيقتنا وأننا لا نختلف مطلقا عن القيادات السياسية التي نعرض بمواقفها صباح مساء. يمكننا أن نفعل وهم سيلحقون بنا وليس العكس.
حقيقة مؤلمة ولكنها عبرة لمن يعتبر؛ كل القيادات السياسية التي تاجرت بالقضية الفلسطينية خسرت تجارتها، وكان سوء المنقلب مصيرها؛ الدول التي عطلت التنمية بسبب القضية، واضطهدت شعوبها بحجة القضية، وابتزت جيرانها بالقضية، وصنعت مليشيات إرهابية لخدمة القضية، وبنت شعبية جارفة على حساب القضية، كلها واجهت مصائر مأساوية على مستوى القيادات أو الدول. أما تلك التي تعاملت مع القضية بمبدأ صادق وبدون شعارات، وبنوايا خالصة فإنها تزداد رفعة وعلوا وتقدما لأنها نصرت القضية فأمدها الله بعونه وتوفيقه.
بدلا من أن نلعن الظلام دعونا نشعل شموعا، وبدلا من شتم القيادات السياسية التي نصفها بأنها عاجزة عن الفعل، لنبادر نحن بالفعل، وبدلا من الانقياد القطيعي للأحزاب اللاهثة للشعبية سواء في الشوارع أو في الميادين الافتراضية دعونا نتوجه إلى أجهزتنا الذكية وندعم الفلسطينيين بالتبرع إلكترونيا بثمن زجاجة الماء التي نستهلكها في المظاهرات أو بثمن الوقود أو تذكرة وسيلة النقل.