الرياض - خاص بـ«الجزيرة»
نبه باحث شرعي من خطورة الفتن التي تبث في المجتمع، وتؤثر في حياة أبنائه: أمناً ومعيشة وخلقاً وعقيدة.. وأنه في آخر الزمان يكثر الاختلاف والفتن كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقسَّم الدكتور خالد بن حمد الخريف الباحث الشرعي الفتن إلى قسمين: فتن شبهات، وفتن شهوات. وأشدهما فتن الشبهات، وهي المتعلقة بالعقيدة، مثل: التشكيك في وجود الله تعالى.. وعلاجها كما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرفضها المسلم ويقول «آمنت بالله ورسله»؛ فعَنْ السيدة عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِيهِ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَكَ فَيَقُولُ اللَّهُ فَيَقُولُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ. فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقْرَأْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ». ومنها: شبهات تحسين الشركيات والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان. وعلاجها بالعلم النافع المستمد من الكتاب والسنة. أما القسم الآخر من الفتن وهو فتن الشهوات فقد أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن هناك «دعاة على أبواب جهنم، من أطاعهم قذفوه فيها»، وأنه يجب على المسلم الحذر منها، والابتعاد عن مَواطن الفتن، وأن يُبعد المسلم عنها أهله حتى لا يفتتن أو يفتتن أهله.. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ .
وبيَّن د. الخريف أن من أعظم ما يقي المسلم من الفتن هو الرجوع للكتاب والسنة كما قال تعالى: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) سورة النساء. ورُوي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه». وكذلك البُعد كل البُعد عن أماكن الفتن، وإبعاد الأهل عنها.. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ .
مشيراً إلى أنه يتحقق البُعد عن الفتن بأمرين: الأمر الأول: عدم الذهاب إلى مواضع الفتن وحضورها، ولو كان على سبيل المشاهدة فقط؛ لأن الشر يجر بعضه بعضاً.. قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}. والأمر الثاني: عدم دخول المواقع المشبوهة أو التي تدعو إلى الباطل، سواء كانت مواقع شبهات وضلالات كالتي تدعو إلى الشرك والابتداع في الدين أو الخروج على ولاة الأمور، كمن يُحسِّن الطواف بالقبور أو دعاء أهلها أو الاستغاثة بهم أو الذبح إليهم، أو من يُحسِّن بعض البدع مثل الاحتفال بالمولد النبوي أو التبرك بالآثار أو الأماكن التي لم يدل الدليل على مشروعية تقصدها أو التبرك بها.. وكذا المواقع التي تثير الفتن وتؤلب على ولاة الأمور، أو تدعو إلى الخروج ونزع يد الطاعة؛ فيجب الحذر منها وإبلاغ ولاة الأمور عنها. وكذلك المواقع التي تدعو إلى الشهوات من زنا وشرب للخمر، أو تعرض ذلك في مواقعها؛ فلا يجوز الدخول فيها أو مشاهدتها. وكذلك يجب على المسلم الناصح لنفسه أن يصون نفسه ويحفظها، ويحافظ على من تحت يده من الأولاد والزوجة؛ فيوجههم ويحثهم على الخير، وينهاهم عن الشر، ويمنعهم من حضوره.
وأضاف د. خالد الخريف بأن من أسباب السلامة من الفتن لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، وعدم الشذوذ عنهم أو الخروج عليهم، كما في حديث حذيفة - رضي الله عنه -: «كان الناس يسألون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد الخير شر؟ قال: نعم. فقلت: فهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخَنٌ. قال قلت: وما دخَنُهُ؟ قال: قومٌ يستنُّونَ بغيرِ سُنتي ويَهْدونَ بغير هدْيِي، تعرفُ منهُمْ وتُنكرُ. فقلت هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، فتنةٌ عمياءٌ، دُعاةٌ على أبوابِ جهنم، مَنْ أجابَهُمْ إليها قذفوهُ فيها. فقلت: يا رسول الله! صِفْهُمْ لنا، قال: نعم، قوم من جلدتِنا، ويتكلمونَ بألسنتِنا. فقلت: يا رسول الله، وما تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: تلزَمُ جماعةَ المسلمين وإمامهمْ. قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزلْ تلك الفرق كلَّها، ولوْ أنْ تعَضَّ على أصلِ شجرةِ حتى يُدركُكَ الموتُ وأنتَ على ذلك».
مشيراً إلى أن من أسباب السلامة من الفتن كثرة العبادة كما أخرج مسلمٌ وابن مَاجَهْ عن مَعْقِل بن يَسَار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «العبادة في الهَرْج كهجرة إليَّ». قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: «المراد بالهَرْج هنا: الفتنة، واختلاط أمور الناس. وسبب كثرة فضل العبادة فيه: أن الناس يَغْفُلون عنها، ويَشْتَغلون عنها، ولا يتفرَّغ لها إلا أفراد». شرح مسلم (18/ 88).
وأما الفتاوى الشاذة التي كثرت في هذا الزمان فيجب الحذر منها، وأن يرجع إلى فتاوى العلماء الراسخين في العلم الذين أنابهم ولي الأمر، وقصر الفتوى عليهم، وليس كل قول يكون حجة، وإنما الحجة في الكتاب والسنة. وأقوال الناس يحتج لها ولا يحتج بها. وقد قال الشافعي: «أجمع الناس على أنَّ من استبانت له سُنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن له أن يدعها لقول أحد».
** **
- د. خالد الخريف