محمد آل الشيخ
كل المؤشرات تؤكد أن الرئيس الأمريكي ترامب قد عقد العزم على الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وقعته الدول الخمس إضافة إلى ألمانيا مع إيران، وأهم هذه المؤشرات إقالة ترامب لوزير خارجيته تيلرسون، وتعيين مايك بومبيو رئيس ال(سي آي إي) خلفا له، ومن المعروف بأنه من الصقور الذين يعرفون جيدا نوايا الإيرانيين وأهدافهم التوسعية، ويدرك مدى خطورتهم على أمن حلفاء أمريكا في المنطقة. وإذا قامت الولايات المتحدة -كما هو متوقع- بالانسحاب من الاتفاقية منفردة، فإنه يصبح عمليا في حكم المنتهي، ولا قيمة له، إذ إن أهم مردود كانت تطمح إليه إيران من هذه الاتفاقية بصفة أساسية تحسين أوضاعها المالية والاقتصادية، وأمريكا كما هو معروف تملك السيطرة شبه الكاملة على حركة التبادلات النقدية في العالم، ولن تتجرأ أية شركة غربية أن تتعامل مع إيران ما لم تطمئن الى موافقة الولايات المتحدة على ذلك، وبالتالي فأي اتفاق مع إيران من قبل واحدة من شركات هذه الدول يحتاج الى أن تمرره أمريكا.
والسؤال الذي يطرحه السياق: ما هي الخيارات التي في يد الإيرانيين فيما لو أعلنت أمريكا انسحابها من الاتفاقية؟.. الجواب بمنتهى البساطة: لا شيء إلا التصعيد الإعلامي والتهديد بفناء إسرائيل، والجعجعة التي لن تغير من الواقع على الأرض شيئاً.
إيران -كما هو معروف- تعاني من أزمات اقتصادية صعبة تتفاقم مع مرور الوقت، والاحتجاجات الشعبية تتسع دائرتها مع الزمن, وليس في يد الملالي في تقديري إلا الرضوخ في النهاية للشروط الأمريكية الجديدة مرغمين، والمتمثلة في الحد من تدخلاتها في دول الجوار، والحد من تطوير صواريخها البالستية، ورغم أن الإيرانيين يظهرون معارضتهم للرضوخ لمطالب كهذه إلا أنهم سيذعنون راغمين في النهاية، فقد رضخ الخميني في حربه مع العراق لشروط كهذه الشروط، واعتبرها بمثابة تجرعه للسم كما وصف نفسه حين ذاك.
بعض المحللين يقولون إن إيران إذا ما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية فإنها ستعمد إلى الإندفاع والمشاغبة وهز أمن وتهديد استقرار حلفاء أمريكا في المنطقة، وبالذات في العراق التي تملك فيها لأسباب محض مذهبية كثيرا من الأوراق التي بإمكانها إزعاج أمريكا بها. ولا أعتقد أن إيران تملك من النفوذ في العراق اليوم القدر الذي كانت تملكه في زمن عميلها الشهير نوري المالكي، ففي رأيي أن حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الحالي، يحظى بشعبية جيدة بعد تطهيره العراق من داعش، وهذه الشعبية ستمكنه من الفوز برئاسة الوزراء مجددا في العراق، كما أن الرجل أثبت وفي مناسبات كثيرة أنه ينأى بالعراق بعيدا عن إيران، أو كما سماها سياسة المحاور، فالمرحلة التي يمر بها العراق الآن تتطلب إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بالدعم الخليجي العربي، أما إيران فليس في مقدورها أن تُنقذ أوضاعها الاقتصادية المتدهورة، حتى تمد يد العون لتعمير العراق، إضافة إلى ان اللعب على الوتر المذهبي لم يعد يفعل في العراقيين، شيعة وسنة، ما كان يفعله في السابق؛ فالعراقيون اليوم يريدون حياة آمنة مستقرة، وليست حياة الحروب والإرهاب والاصطفافات المذهبية التي كادت أن تُشظي العراق إلى دويلات متطاحنة، والتي جنوا بسببها كل هذه الفتن والمآسي التي أغرقتهم في طوفانها في الثلاثين سنة الأخيرة.
كل ما أريد أن أقوله في هذه العجالة إن الانسحاب من الاتفاقية النووية من قبل أمريكا أصبح في حكم المؤكد، وأن الخيارات التي في يد الملالي لمواجهة هذا الانسحاب هي في حكم المعدومة، فلا خيار أمامهم لمواجهة أوضاعهم الاقتصادية الداخلية المزرية، إلا الإذعان والقبول بالتعديلات التي يطرحها ترامب على الاتفاقية، أو مواجهة عواصف شعبية في الداخل ستعصف بالتجربة الخمينية برمتها، فالشعوب إذا جاعت لا يمكن أن تسد رمقها الوجبات الأيديولوجية.
إلى اللقاء