«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
مضت 3 عقود تقريباً على رحيل فنان «السوريالية» الأشهر سلفادور دالي هذا الفنان الذي رحل لكن أعماله ما زالت تدر الملايين على من يقتنيها أو حتى من يحاول تقليدها. فكم بيعت خلال العقود الماضية من اللوحات المزورة التي تفنن خبراء التزوير في رسمها بدقة. وعندما توفت زوجته الحبيبة «غالا» التي رسمها في أكثر من لوحة بدأت حياته تتغير وكأنه ودع جزءاً من روحه معها.. وبدأت الأمراض النفسية وحتى العضوية تجد طريقها لجسده. وحسب ما أشار في أكثر من حديث صحفي عن جوانب من حياته التي كانت تحمل جزءاً كبيراً من ذكريات الموت والرحيل المبكر لشقيقه وحتى لحظات ولادته. يقول دالي: إنه جاء إلى الحياة مثل غيره من الناس فوالده كان كاتب عدل في «فيغراس» من نواحي كتالونيا الإسبانية. واكتشف أنه كان بديلاً عن شقيقه الذي مات قبله بثلاث سنوات وهو في السابعة من عمره حيث بدأت عينه تستوعب الأشياء من حوله فوجد أنه يعيش عالة على ذكرى شقيقه الراحل. فهو يحمل ذات الاسم وينام على ذات السرير وفي نفس الغرفة. والألعاب التي تركها شقيقه كانت بالتأكيد تحمل بصماته. بصمات طفل ميت.. ويقول دالي ساخراً: نزلت من بطن أمي قلقاً يبدو أنني عشت القلق الجيني. وكانت صرختي الأولى صرخة حادة و»سوريالية» فهذا الوضع لا شك يدعو إلى الجنون. لكنني رفضت أن أجن.. ومع الأيام رحت أتذكر الشهور التسعة التي قضيتها في رحم أمي. ذكريات رحمية يقول: إنه يتذكر كل ما حدث له خلال تلك الفترة. التحولات الجينية جميعها عاشها بزخم. سائلاً: «دالي» زوجته الحبيبة غالا بعد أن عرض عليها لوحته الشهيرة «إلحاح الذاكرة» بساعاتها المعدنية الرخوة المستوحاة كما قال: من قرص الجبنة الفرنسية الشهيرة (الكاممبير) أيبقى شيء من هذه اللوحة في ذاكرتك بعد ثلاث سنوات يا غالا؟ فردت هل ينسى أحد ذاكرته.. والفنان «سلفادور دالي» كان متعدد المواهب والقدرات وحتى الاهتمامات الثقافية وشارك في كتابة سيناريو فيلم (الكلب الأندلسي) ونفذ أعمالاً نحتية والتصوير الفوتوغرافي. والتصميم في مجال الإعلام وحتى الإعلان. ومن الأشياء التي كان يفخر ويعتز بها هو اهتمامه بانتمائه وانتسابه إلى «النسب العربية» مدعياً أن أسلافه ينحدرون من «مورس و»الموريسكيون بالقشتالية هم المسلمون الذين بقوا في إسبانيا تحت الحكم المسيحي بعد سقوط المملكة الإسلامية وخُيروا بين اعتناق المسيحية. أو ترك إسبانيا في عهد فرديناند وإيزابيلاي 14 فبراير 150م.. والكثير منهم أخفى إسلامه خوفاً من بطش رجال الدولة الجديدة.. وما زلت أذكر وقوفي بجانب لوحته الشهيرة «الحرب الأهلية» والتي لا تقدر بثمن ويقتنيها متحف «فيلادليفيا» ببنسلفانيا. لقد وقفت طويلاً أمامها وأنا أتأملها وأسافر عبر ما تعبر عنه من موحيات وتداعيات وإسقاطات عن الحرب. وأشياء أخرى والفنان دالي المدهش الذي رحل عن الحياة كما أشرت في البداية قبل عقود، فالرحيل مصير الجميع إلا أن القليل من يترك أثرا أو بصمة هنا أو هناك. أما «دالي» فهو يكاد يكون موجوداً بصورة لافتة وبصمته في تاريخ الفن العالمي واضحة وجلية وما حققه في هذا المجال من إنجازات وأعمال تتوارثها الأجيال. بل هناك من يسافر إلى متاحف العالم التي حظيت باقتناء لوحاته ليشاهدها على الطبيعة. فمشاهدة اللوحة الأصلية مباشرة غير مشاهدتها عبر الصور أو حتى الأفلام الوثائقية.. فالمشاهدة هنا لها شكل وطعم آخر..؟!