صدر عن مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانيَّة كتاب «الفقيه والدين والسُّلْطة: جدلية الفكر السياسي الشيعي بين المرجعيتين العربية والإيرانيَّة»، بالقطع المتوسط وعدد صفحاته 250 (مئتان وخمسون)، وشمل ثمانية فصول.
تحدث الفصل الأول عن نشأة المرجعية وعلاقتها بالسُّلْطة في مراحل التأسيس الأولى، وبذور النظرية السياسية في الحوزة، وكيف أن مؤسَّسي الحوزة الأُوَل لم ينشغلوا بالحكم والسياسة وارتأوا التعاون مع السلطات القائمة ولو كانت جائرة، سنية كانت أو شيعية، ومن أقوالهم الشهيرة في هذا الصدد وجوب طاعة المتغلب، وكان ذلك منهم موقفًا استراتيجيًّا لا تكتيكيًّا، وتَمثَّل في نماذج كثيرة. وتَطرَّق هذا الفصل أيضًا إلى مصادر تمويل المرجعية الدينية وأثر هذا التمويل على البناء الفقهي والاتجاه السياسي، وكيف يؤثر هذا التمويل على استقلالية الحوزة، أو كيف يمكن استغلاله للتأثير على استقلاليتها في ظل الأنظمة السلطوية كما فعل الخميني فور نجاح ثورته.
وجاء الفصل الثاني ليتحدث عن القوميَّة الإيرانيَّة وأثرها في التوظيف السياسي للمذهب والحوزة، وكيف حاول النِّظام السياسي في إيران في عهد الصفويين ثم في عهد الخمينية المعاصرة توظيف المذهب لخدمة المشروع القومي والشعبوي، والتعامل مع الشِّيعَة في العالَم على أنهم رهينة للقرار الإيرانيّ. وركَّز الفصل الثالث على أُسُس ومنطلقات نظرية الفقه السياسي الشيعي، المذهبية والفلسفية، وتكمن أهمِّيَّة هذا الفصل في معرفة القواعد والثوابت والقطعيات التي يقف عليها العقل السياسي الشيعي، ويرتكز عليها في الحِجاج على نظريته السياسية الكُليَّة.
ثم تحدث الفصل الرابع عن نظرية ولاية الفقيه ما قبل الخميني، في العصر الصفوي والقاجاري والبهلوي، وكيف أن تلك العصور جميعًا اختلفت عن الطرح السياسي الخميني، ولم تصل درجة التوظيف السياسي للمذهب وعَقْدَنة السياسة إلى ما وصلت إليه في عهد الخمينيّ وما بعده.
وتحدث الفصل الخامس عن النظرية السياسية عند الخميني أو ما يُعرف بـ»ولاية الفقيه المطلقة» ومكانتها في الجغرافيا الشيعية وموقعها في الدرس الفقهي والحوزوي، وكيف استطاع الخميني فرضها والتعامل معها على أنها الأصل المعبِّر عن النظرية السياسية للمذهب، واعتبار باقي النظريات التي كانت متجذرة -حتى عشيَّة الثورة الخمينية- نظريات شاذَّة لا تمثِّل المذهب ولا المعتمَد من الأدلَّة، وهذا الانقلاب على الفكر الشيعي والاجتهاد الفقهي طوال التاريخ كله، كان له أثر كبير على الحوزة وفقهاء الحوزة والمراجع الآخرين الذين أعلنوا رفضهم لتزييف الحقائق التاريخية وقلب رأس الهرم الشيعي الفقهي والسياسي، مِمَّا تطلب مرحلة أخرى من الحسم بنظر الخميني، وهي مرحلة تأميم الحوزة لصالح النِّظام السياسي، وهو الأمر الذي لم يحدث في التاريخ كله لا من الحكام السُّنَّة ولا الشِّيعَة.
وتَطرَّق الفصل السادس إلى موقع الخميني في الحوزة العلمية وموقف الفقهاء المعاصرين -بالنجف وقم- منه، ومن مشروعه الديني والسياسي وفصل القول في أدوات الخميني لقمع رفاق دربه، وبسط سيطرته السياسية والحوزوية.
واختتم هذا الفصل بالأزمة الأخلاقية لدولة الخميني التي رفعت شعارات دينية وسياسية في حين أن ممارستها العملية ناقضت تلك الشعارات تماماً.
ثم جاء الفصل السابع ليتحدث عن نظرية الفقه السياسي في المرجعية العربية، وتناولت بالنماذج محمد باقر الصدر، ومحسن الحكيم، والخوئي، والسيستاني، ومحمد الصدر، وهم رؤوس الحوزة النجفية في القرن الأخير، وفي الفصل الثامن والأخير عن موقع نظرية الخميني في خارطة الفكر السياسي الشيعي، وكيف أنها كانت نظرية منبوذة في المذهب وغير معمول بها في دوائر صناعة الدرس الحوزوي في العواصم المركزية للشيعة حول العالَم، بَيْد أنّ مأسستها في بنية النِّظام السياسي والاجتماعي أدَّت إلى فرضها بقوة القانون والمؤسَّسات داخل إيران، يمكن القول إجمالاً إن الكتاب يتناول العلاقة المعقدة والمتشابكة بين المرجعيتين العربية والإيرانيَّة، ويسعى لتفكيكها، ويركز على واقع الفقه السياسي الشيعي قبل ظهور الخميني، وكيف حُوّر لصالح القراءة الخمينية التي انتبذت الميراث الشيعي والموروثات الحوزوية المستقرة، ورسخت للقراءة الخمينية عبر مأسستها في بنية النِّظام السياسي.
الكتاب ألفه الدكتور محمد بن صقر السلمي، الأكاديمي السعوديّ، والخبير في الشأن الإيرانيّ، ورئيس مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانيَّة.
الدكتور السلمي حصل على الماجستير من طهران، وعلى الدكتوراه من بريطانيا، وهو واحد من أبرز الخبراء والمتخصصين في الشأن الإيرانيّ في العالَم. وشارك في التأليف الباحث محمد السيد الصياد، مسؤول وحدة الدراسات الفكرية والأيديولوجية في مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانيَّة، وهو باحث وأكاديمي مصري، حاصل على الماجستير في الشأن الشيعي، وسافر إلى النجف، وله حوارات ولقاءات مع المراجع هناك.