قراءة في كتاب (مرآة الحبر) للكاتب الأرجنتيني الشهير/ خورخي لويس بورخيس, ترجمة: محمد عيد ابراهيم, الصادر بطبعته الأولى عام 2003م عن (دار علاء الدين) بدمشق.
يقع هذا الكتاب في 366 صفحة من القطع العادي, وهو عبارة عن «مختارات» متنوعة من أدب «بورخيس» شعرا ونثرا, قام المترجم باختيارها وترجمتها من لغتها الأصلية للقارئ العربي. ونطالع على الغلاف الأخير لهذا الكتاب الموجود بين أيدينا الآن توطئة أو اضاءة موجزة للناشر جعل منها تعريفا جيدا بعالم «بورخيس» الأدبي, ومدخلا مناسبا لإنتاجه الابداعي من خلال مختارات «مرآة الحبر» اذ يقول:
«.. عالم من الدهشة, مرايا الحب, هلوسات الوحشة, مديح الظلام ,ومتاهات الوجود والعدم, البراعة, نمور الحلم, وتاريخ لعار الكون...هذا هو عالم بورخيس الطافح بالإدهاش حتى الجنون, المليء بالمفارقة حتى الانكسار..يطرحنا على مدارات الحروف ويطهرنا بوهج الدلالات. ومرآة الحبر, هذا الكتاب, محطات ألقة في عالم بورخيس الأدبي ومنتخبات قصصية وحوارية عابقة بعالم التأمل الشفيف الذي يمسكنا بتلابيبنا ويجعلنا نعيش حالات من التوحد والإبداع».
وفي المقدمة التي وضعها المترجم لكتابه هذا يأتي قوله متحدثا عن «بورخيس» ككاتب متميز وعن أعماله الأدبية الرائدة في مجالها, وباعتباره أحد أبرز الأسماء الأدبية اللامعة في سماء الأدب العالمي الحديث في القرن العشرين, خاصة (أدب أمريكا اللاتينية) قائلا:
« يعتبر بورخيس باكورة الأحياء في القصة بأمريكا اللاتينية منذ ادجرآلان بو. عالم من الدهشة, نمور الحلم, المغامرة, البطولة ,البراعة ,والشغف. كذلك مرايا الحب, هلوسات الوحشة, مديح الظلام, ومتاهات الوجود والعدم».
ويستأنف المترجم/المؤلف حديثه عن الحياة المبكرة لبورخيس, وبداية مشواره مع الكلمة وأثرها البالغ في تطوير موهبته, وسعة أفقه الابداعي والثقافي والمعرفي فيما بعد بقوله:
« تعرف على ثقافات الشرق – العربية خصوصا – من الصغر, قال: طفولتي مرت كلها في المكتبة, مكتبة أبي الكبيرة. سمح لي بقراءة أي كتاب, حتى المحرمة على سني... قرأت (ألف ليلة) من أولها لآخرها, احتشدت بالسحر, كنت مأخوذا به... ثم اكتشفت أني لم أخرج قط عن هذه المكتبة. ولمدة طويلة شعرت أني غير كفء لكتابة القصص, رغم ذلك كانت النوع الذي فضلته على الدوام». انتهى كلامه.
وفي موضع لاحق من المقدمة ذاتها يعرج المترجم/ المؤلف بالحديث عن شيء من السيرة الذاتية لبورخيس منذ ولادته حتى تاريخ وفاته, متطرقا لأهم المحطات في حياة هذا الأديب العالمي الكبير, بقوله:
« ولد عام 1899 في بوينس أيرس (الأرجنتين). بعدها عاش في أوربا حتى عام1921, حيث عاد لبلاده باقيا للنهاية (حتى وفاته عام 1986). حياته الشخصية كانت غامضة وهادئة, كان أمين مكتبة في الضواحي, أبدله بيرون لفترة, عمل كمفتش دواجن, وما أن سقط حتى قلدوه منصب الأمين العام للمكتبة القومية بالإضافة لمحاضراته عن الأدب الانجليزي في الجامعة. ظل أحد شعراء الطليعة حتى أواسط الثلاثينيات, اتجه بعدها لكتابة القصة. وقد خفت نور عينيه عام 1955, فكان يقول: ( أنا كاتب يهتم بالشكل, منذ حين لا أستطيع القراءة والكتابة, فأقوم بتصميم النص في ذهني, ثم أفتش عن الطرائق المؤدية, ولما أجد الشكل النهائي, أبدأ الاملاء ). سألوه: لماذا لا يكتب الرواية؟ رد: (لا أستطيع, أنا كسول, والرواية تتطلب مجهودا... ثم انا نكتب ما نقدر عليه, المهم يبقى أربع أو خمس صفحات من كل ما يكتبه كاتب...). انتهى كلامه.
وفي ختام هذه المقدمة يتحدث المترجم عن أهم أعمال بورخيس الأدبية التي تضمنها هذا الكتاب, وعن كيفية اختياره لها كنماذج لأدبه وتقديمها للقراء بالشكل المناسب, اذ يقول:
« حاولت في هذه المنتخبات تقديم بانوراما واسعة لأعماله: تضم القصة « الأماثيل», قصيدة النثر, الشعر, المقال ومأثورات الخرافة, وألحقت ذلك بحوار مطول عن جوانب كتابته وظلال روحه أجرته معه (باريس ريفيو انترفيوز), نشر في (بنجوين) مع حوارات أخرى عام 1976. وختاما قدمت مرثيته لنفسه والتي كتبها عام 1966 بآخر كتابه (متاهات). كذلك اشتملت على عرض شبه كامل لطرائقه وأساليبه في الكتابة: الحكاية من حكاية, القصة الفلسفية, القصة- المقال, القصائد بأنواعها, لعبة الخلود والزمن, دخول الحلم في الواقع, المرايا المتغايرة, ومتاهة اليوتوبيا, كذلك تسليته بتزييف أو اختلاق قصص لآخرين (دون عذر جمالي, كما يقول). انتهى كلامه.
وفي ختام حديثنا عن هذا الكتاب ومترجمه ومؤلفه وناشره أقول: ان أقل ما يمكن أن أصفه به أنه مجهود جيد, بذل فيه صاحبه مجهودا واضحا يستحق الشكر عليه.
وهو- وان كانت تشوبه أحيانا مسحة من سوء الترجمة أو رداءتها في مواضع معينة من مادته- إلا أنه يبقى –على أي حال - عملا فريدا من نوعه وفي مجاله, ومن تلك الأعمال التي تحاول الإسهام بتنشيط حركة «الآداب المقارنة» وعلاقتها بأدبنا العربي, والأثر المتبادل بين الأدبين العالميين: اللاتيني والعربي, وأثر كل منهما وتأثيره على الآخر, عن طريق الترجمة التحريرية للنص الأدبي المكتوب, من اللغة الأم (الأصلية) للكاتب, ألا وهي الأسبانية, إلى اللغة (الهدف) وهي لغتنا العربية.
** **
- عرض وتحليل/ حمد حميد الرشيدي