يؤكد علماء النفس على أن الإنسان يولد بلا مخاوف سوى الخوف من الأصوات العالية، والخوف من الأماكن المرتفعة، ولكن مع مرور الأيام وتوالي الخبرات السلبية تبدأ المخاوف تكتسب ومن أخطر تلك المخاوف: الخوف من الرفض والخوف من الفشل، والتي يتولى تكريسها وتغذيتها الوالدان والمدرسة والبيئة المحيطة، وتترسخ تلك المخاوف عندما يبدأ الإنسان بممارسة عادة (جلد الذات) وإصدار الأحكام القاسية على نفسه، والاجتهاد في تشويه الصورة الذاتية وإذا ما اعتاد الإنسان على تلك الممارسات الفكرية الخاطئة وامتهن الانتقاص من قيمته والتقليل من قدره جزما سيفقد إحساسه بالحياة، ويقل استمتاعه بمتعها وكذلك فقد فرص النجاح، وجزما لن تزوره أطياف السعادة, ويتولى تلك المهمة صوت داخلي ولنطلق عليه اسم (نحس) وهو صوت يعمل بلا ملل ولا كلل مهمته الأولى تكدير صفو حياتك، وألا تهنأ بعيش وأن تعيش في حياتك صفرا على الشمال وأن تتخلى عن أحلامك وتتنازل عن مواهبك حيث يُلبّس على الإنسان ويقوي نزعته نحو تحميل أحداث الحياة تفسيرات سلبية عن طريق الخلط ما بين ما تم وقيل فعلا (الحقائق) وبين التفسيرات والتوقعات الشخصية (الآراء) وقد يتقمص (نحس) شخصية والدك أو زوجتك أو معلمك أو رجل المرور فلديه قدرة عجيبة على التلون والتشكل وطول النفس وتكرار المحاولات واختيار الأوقات المناسبة.
لا يفتأ (نحس) يوسوس في روحك وأعماقك بترهات وأكاذيب أو صغائر يعمل على تضخيمها ليخلق بذلك لديك مشاعر بالدونية وعدم الرضا، غايته التخلي عن قدراتك وفقد الأمل في فرص النجاح وأن تحكم على نفسك حكما قاطعا بالتعاسة والشقاء، وهو ما يعني تقمصك لدور (الضحية) فالضحايا منبوذون مهملون ينفر منهم الناس ومتقمص دور (الضحية) شخص خوار جبان يعشق الأماكن (الآمنة) (الشيطان يعدكم الفقر) ومتقمص دور الضحية لا يتجرأ على ركوب الأخطار ولا تحمل المسؤولية (ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) إنه يقبع في ركن مظلم وفي عالم موحش موصوم بالرفض وبين أناس ينفرون منه لكونه غير كفء للتفوق والنجاح! ولا يكتفي (نحس) بهذا بل يعشق تذكيرك بلحظات فشلك ومشاهد أنانيتك وجرحك للآخرين وفشلك في عقد صفقة وإخفاقك في التصرف في موقف ما! وربما يجنح نحس لأسلوب آخر أكثر مكرا وهو أسلوب محرض على الاندفاع غير المنضبط نحو الإنجاز أو ما يسمى بـ(الكمالية) أو داء (المثالية) ويمنطق هذا الاختيار عبر توليد رغبات داخلية لإسكات نحس والعمل على نسف نظريته تجاهك بعدم الجدارة وتتحالف تلك الرغبة مع خطة نحس لدفعك نحو اعتلاء قمة السلم وما أن تصل إلى تلك القمة حتى تكتشف أنك لا تزال دون المستوى المطلوب من النجاح وهو ما يسمى بداء المثالية!
تذكَّر أنّ الاستسلام والتفاعل مع وسوسة (نحس) لن تطهرك من مشاعر الألم بل سيعمل على مضاعفتها, لذا فليكن تركيزك على مستقبلك مستعيناً متوكلاً على خالقك.
ومن الأساليب الرائعة لمواجهة نحس استخدام طريقة الفيلسوف سقراط، وهي عبارة عن استجواب عميق للنفس تكشف به زيف ادعاءات وتلبيسات (نحس) عبر أربعة خطوط رئيسية تستخدم للاستجواب:
1 - الأسئلة التي تفضح لغة التعميم وإطلاق الأحكام التي يمارسها (نحس) من قبيل: هل صحيح أنك شخص لا تحسن الحديث أمام الآخرين؟ ألم تتحدث أوقاتاً كثيرة ونلت الإعجاب فيها؟
2 - وهناك أسئلة تكشف الأوصاف السيئة والنعوت القبيحة كقولك: هل يعني إخفاقك في التعامل مع أحد موظفيك أنك مدير سيئ؟ وهل يعني حصولك على معدّل متواضع في مادة أنك غبي؟
3 - والنوع الثالث من الأسئلة الذي يركّز على البحث عن أدلة وإثباتات كقولك: ما دليلك على أنك شخص غير محبوب؟
4 - ومن أفضل الطرق لمغالبة (نحس) هي استحضار حجم الخسائر التي ستتكبّدها نتيجة إنصاتك له واستجابتك لهجماته، ومنها الإحساس بالضآلة وضمور المواهب والقلق الدائم..
أما ما يخض تحريض (نحس) نحو الكمالية وعدم الرضا بأي تقدم أو إنجاز ما لم يكن كاملاً، فاعلم أنّ من سبُل الحياة السعيدة هي تغيير نمط التفكير، وهذا يتطلّب ابتداءً تجفيفَ ينابيعِ المثالية الزائفة، وعدم الوقوع في مستنقع لعنة الكمال التي تفسد كلَّ شيء! ولا تستجب لنداءات (نحس) عندما يجنح لمقارنتك بالآخرين وهي مقارنة ظالمة جائرة، لأنه يقارن أسوأ ما لديك بأفضل ما عندهم وأخيراً يجب علينا التذكير بأننا يجب ألا نصنّف أي صوت داخلي ناقد على أنه صوت (نحس)، فهناك صوت الحكمة والبصيرة.. صوت الضمير الحي والحدس القوي الذي يدلّك على الخير وينبّهك برفق وحنان!