«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
الفاسدون والمرتشون في بلادنا هذه الأيام الذين انحرفوا عن جادة الصواب وطريق الأمانة، وتلذذوا طوال حياتهم بالحياة المرفهة التي حصلوا عليها بطرق غير مشروعة.. إنهم هذه الأيام والأيام القادمة يعيشون لحظات مستمرة من الخوف والوجل والقلق المستفز، وجميعهم باتوا يعانون ألوانًا مختلفة من الهلع والجزع والفزع، بل إن بعضهم هرب إلى أماكن بعيدة حتى عن أفراد أسرته؛ فهم باتوا ينظرون إليه بريبة وشك؛ فواقعه المعاش والمحدود «المعاش» لا يتناسب مع حياة البذخ و»الجخ» الذي هو فيه، فمن أين له هذا؟ من أين له كل هذه السيارات الفارهة والقصور التي توزعت في أكثر من منطقة، بل بات يملك بيوتًا وشققًا في باريس والقاهرة والمغرب وحتى دبي.. من أين له كل هذا الخير الذي يشير إليه أنه جاء نتيجة أنه باع أرضًا، أو دخل في مساهمة أو.. أو.. ولكن لا يقول الحقيقة، ولا يضع أصبعه على حنفية (الرشاوى) التي يحصل عليها من خلال وظيفته وتمريره بعض المناقصات. ومشاركته في بعضها من الباطن. وأمثال هذا الموظف عشرات الآلاف في مختلف مناطق المملكة الذين باتوا في سباق محموم داخل ماراثون (حلبات) الفساد.. الجميع يركض بهمة للوصول للقمة، قمة النهب وسلب حقوق المواطنين، بل (المال العام).. ووصل بهم الحال من أجل المال إلى الاندفاع في تجارة الفيز. قبل عقدين من الزمن طلب مني أحد معارفي أن أراجع مكتب العمل لهروب أحد عمال مزرعته. وطلب مني الموظف أن أقترب لأشاهد القوائم المبلَّغ عنها إذا كان اسم العامل الهارب موجودًا فيها، وذُهلت مما شاهدت.. مئات من العمال يتبعون شركة لأحدهم.. فلم أتردد أن أقول بثقة: معقولة، كل هؤلاء هربوا؟ فضحك الموظف وراح يشغل نفسه بتصفح إحدى الصحف التي على مكتبه.. والعجيب أن هذا المقاول يمنح عادة المئات من التأشيرات بيُسر وسهولة كلما وقعت مناقصة هنا أو هناك. والحق يقال، كان أيامها (المقاول الجوكر) في العديد من مناطق المملكة.. ومع الأيام اكتشفت بحكم عملي الإعلامي أن هذا المقاول وغيره يمارسون استقدام العمالة وتسريحها، وأخذ مبالغ شهرية.. ومن الأشياء العجيبة أنك عندما تلتقي أمثال أحدهم تجده يحسن الحديث عن المبادئ والقيم وأهمية الإخلاص في العمل والمشاريع.. بل هناك من خصص له بعض أصحاب الأقلام المأجورة التي يتخذونها بوقًا لهم من أقوال وتصريحات.. ففي كل حدث تجده مشاركًا وصورته بارزة في (التغطية) أو التحقيق.. ويا ويل المحرر أو الكتب الذي لا يدعوه للمشاركة أو الإشارة عن نشاطاته في صحيفته. من هنا اختلط الأمر على الناس، كل الناس، فأصبحوا لا يعلمون حقيقة المسؤول أو رجل الأعمال النزيه والمخلص الذي يعمل من أجل وطنه لا من أجل (جيبه) ورفع نسبة أرصدته في البنوك والمصارف في الداخل والخارج.. وهنا يصدق القول المأثور والحكيم: (ليس كل ما يلمع ذهبًا).. وها هي الحقيقة التي كشفتها عيون الصقر الحادة والبصيرة، قائدنا ورائدنا سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين، فكشف المستور من خلال مكافحته الفساد، وبان للناس بل للعالم حقيقة الفاسدين.. وها هم يتساقطون كأحجار الدومينو - اللهم لا شماتة - لكن يجب أن نشير هنا إلى أن هذه الصحيفة (الجزيرة) منذ تأسست كتبت الكثير والكثير من المقالات والتحقيقات والتقارير التي كانت تشير مباشرة للعديد من السلبيات حتى الفساد في الكثير من مشاريع الوطن.. بل إنها فتحت ملفات عديدة عن ذلك.. وها هي القيادة، كل القيادة، تسعى بجدية للقضاء على جذور الفساد؛ لتتطهر البلاد من هذا المرض الخبيث بمشيئة الله.