ها هو الشيخ مرّان بن متعب بن قويد ينضم إلى موكب الرموز الكبار الذين فقدهم الوطن الغالي؛ ففقدنا برحيلهم ذلك الوهج وتلك الإشراقة التي ميزت أدوارهم ومواقفهم منذ أن بدؤوا خطواتهم الأولى في سلم خدمة وطنهم وأبنائه، إلى أن وُدِّعوا وداعهم الأخير.
مضى الشيخ مرّان يوم السبت الموافق الثاني من محرم 1439هـ مأسوفًا عليه إلى جوار ربه في صمت وهدوء، كحاله حين كان حيًّا بيننا متألقًا في خدمته لوطنه ومواطنيه. وهذا الهدوء الذي استطاب للفقيد الكبير حيًّا وميتًا، وكثيرًا ما حسده الآخرون عليه، هو ما آلمنا وأحزننا وأبكانا اليوم ونحن نودعه الوداع الأخير إلى مثواه في لحظات صعبة وقاسية، لن ننساها، ولن تنمحي من ذواكر الأوفياء والمحبين والمخلصين.
كان آخر متابعتي لأخباره الصحية توجيه صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ غير المستغرب بإرسال فريق طبي متخصص للوقوف على حالة الشيخ مرّان بن متعب بن قويد، الذي كان يرقد وقتها بالعناية المركزة بمستشفى القوات المسلحة بمحافظة وادي الدواسر.
ليس ثمة ما يدعو للاستغراب أن يحظى المرء بحب أقربائه وذويه.. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فليس من الحكمة أن يبجل الفرد لمجرد أنه يلقى استحسان أصدقائه أو زملائه أو حتى صفوة من أفراد المجتمع، لكن ما يبعث على الإعجاب وربما الغبطة أن يحظى الفرد بحب المجتمع بشتى شرائحه وفئاته؛ فتلك ـ والله ـ رمزية يخص بها الله - عز وجل - بعض عباده، وأحسب أن أحدهم المفغور له - بإذن الله - الشيخ مرّان بن متعب بن قويد.
وما ذلك الاتصال من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ ومن أصحاب السمو الأمراء ومشايخ دول مجلس التعاون والحشود من المواطنين الذين ترجلوا بالمئات لمنزل الشيخ مرّان في محافظة وادي الدواسر، ومنزل ابنه العقيد الدكتور محمد بن مرّان في مدينة الرياض، معزين فيه، إلا مؤشر وبرهان ناصع على أن المغفور له - بإذن الله - في قلوب الجميع، فلو نظرنا نظرة متفحصة لجموع المعزين لوجدنا بينهم الأمير والفقير والوزير والثري والمسن والشاب وأكثر من ذلك، فحتى ولاة الأمر ـ حفظهم الله ـ آلامهم عميق الألم، وكدرهم أشد الكدر، وفاة الشيخ مرّان بن متعب بن قويد.
يقينًا، إن كل من أسعفه الحظ بالقيام بالصلاة عليه أو بواجب العزاء الشخصي أو حتى مشاهدة مراسم العزاء في وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال التظاهرة الحزينة ببيانات التعزية في الصحف، لا بد أن يتبادر لذهنه كيف حظي الشيخ مرّان ـ رحمه الله ـ بهذا الكم من الحب والمودة والتقدير؟! وهذا لا بد أن يقود لسؤال مهم: ما هي المقومات التي جعلت الشيخ مرّان يكسب تلك القلوب والمشاعر؟؟! لا أبالغ إذا قلت إن مرد ذلك هو مواقفه المشرفة مع المؤسس الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ ومع أبنائه من بعده، وانضمامه إلى مدرسة البذل والعطاء والشهامة والحكمة والحنكة، وإنكار الذات، وإصلاح ذات البين، واحتساب الأجر على الله، وفتح بابه، وعرض جاهه، وبذل ماله في سبيل الخير، ومساعدة الآخرين، جاعلاً منهاجه حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله - عز وجل - سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا. ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام».
لم ولن أنسى أبدًا كلمة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أثناء رعايته إحدى دورات جائزة الشيخ مرّان بن قويد للإبداع العلمي التي سمعها الحضور ـ آنذاك ـ بشعور تلقائي، وكأن الفقيد أب للجميع، التي وصف فيها سموه الفقيد بالمواطن الخيِّر. واستعرض سموه الفقيد ومعرفته به منذ طفولته، ومجالسته الدائمة له مع والده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - يحفظه الله - الذي استشف منها أقواله وأعماله الطيبة والحكم، وخدمة المواطنين، وخدمة أبناء الوادي تحديدًا.
لم يبقَ لي في هذه العجالة إلا الدعاء بالرحمة والمغفرة لفقيدنا وفقيد الوطن الغالي، وأن يلهم آله وصحبه الصبر والسلوان، وأن أردد ما قاله المتنبي:
ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى
أن الكواكب في التراب تغور
ما كنت آمل قبل نعشك أن أرى
رضوى على أيدي الرجال تسير
وخالص التعازي والمواساة لكل ذوي الشيخ الوقور، ومحبيه وعارفيه.. {إنَّا لهِل وإنَّا إليه رَاجِعُون}.
** **
محمد بن عبدالله آل شملان - مدير العلاقات العامة والإعلام بتعليم وادي الدواسر